عادي
قراءات

«الحيوان الحكّاء».. هل تختفي الرواية قريباً؟

22:14 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: محمد إسماعيل زاهر
اهل نحن حيوانات حكّاءة؟ الإجابة التي نطالعها الآن وتلخص مناخ العصر الأدبي في العالم بأكمله، هي نعم، البشر كائنات مولعة بالقص، ليس في صحونا وحسب، ولكن حتى في أحلامنا تطاردنا ظلال الحكاية. يحاول الكثيرون الآن: نقاد وكتاب رواية وقصة قصيرة وصناع سينما، إيهامنا بأن الحكاية تؤثر فينا أكثر من الواقع نفسه، وهو ما ذهب إليه الإيطالي إمبرتو إيكو يوماً ما، فنحن ربما نبكي لموقف مأساوي في إحدى الروايات في الوقت الذي نشاهد فيه مجازر وجرائم حقيقية على شاشة التليفزيون من دون أي انفعال.

لا يمكن للمتابع للحالة الأدبية، وهو يتجول بين الكتب في المعارض، ويقرأ حوارات المثقفين ويتابع مختلف أشكال التغطية الصحفية للشأن الأدبي، ويتأمل حال الترجمة والجوائز إلا أن يشعر بثقل السرد، الرواية تحديداً، والذي بات يحاصرنا في كل مكان، ولكن الأهم أنه يحصر الفضاء الثقافي بأكمله في شكل كتابي واحد، فهذا يتحدث عن دور الرواية في التعبير عن المهمشين، وذلك يشير إلى قدرتها على رصد الأحداث بأساليب أكثر دقة ونزاهة من أدوات التاريخ التقليدية، وثالث يتحدث عن دورها في العلاج النفسي وحتى الجسدي.

لم تعد هذه الأحاديث مجرد آراء، ولكنها تحولت إلى مقولات راسخة، وشكلت سلطة معنوية، تضاف إلى أطروحة أٌطلقت في التسعينات من القرن الماضي، ونعني بها أطروحة «زمن الرواية»، وبات الروائي هو النجم الآن، ولا مجال لمراجعة هذه الحقيقة، أو النبش في جذورها، أو القول إن المنظّر الأكبر لذلك المناخ، إمبرتو إيكو، كان ناقداً مهماً، وروائياً متواضع الموهبة، وأيقونته «اسم الوردة»، والتي استلهمها الكثيرون وفتحت الباب واسعاً لاكتساح هذا الجنس الأدبي للساحة لا يمكن وضعها مع الروايات عالية المستوى، وفي هذا المناخ من يجرؤ على القول إنه لا عمل صدر خلال «زمن الرواية» في قيمة أو عمق روايات صدرت قبل ذلك الزمن، والرافض لهذا الزمن سيحارب طواحين الهواء لو تجرأ وقال إن معظم المنظرين للرواية بدأوا يتراجعون عن رأيهم، لقد ولى الجميع وجوههم شطر الرواية: الشعراء وكتاب القصة والمسرح، أصحاب الموهبة، ومن لا يتمتعون بأي قدرات كتابية، والكثير من المدونين، وفي هذه الحالة لابد أن تعقد الدورات التدريبية، وتؤسس الجوائز، بل ودور النشر المتخصصة في الرواية، فالكل يريد أن يحكي، والكل مهجوس بسخافات النقاد عن شهرزاد، والكل مرحب به في «نفرلاند».

لقد أصبحنا جميعاً نعيش في أرض «نفرلاند» الخيالية، كما يذهب جوناثان جوتشيل في كتاب «الحيوان الحكّاء.. كيف تجعل منا الحكايات بشراً؟». هذا الكتاب نتاج هذا المناخ، فالحكاية معقل السحر، والقصة طورت اللغة وبالتالي طورت الكائن الإنساني نفسه، لقد انتصر الإنسان العاقل على الهمجي بالحكاية، ويجد قارئ الكتاب، الصادر 2017 والمترجم في 2018 ولذلك دلالة لا تخفى على المتابع، نفسه محاصراً بكل أدوات المنظّر، فالحكاية هي: الطفولة..اللعب..الجنون..المؤامرة..الخيال، والرواية «دين» الثقافة الراهنة، من لا يحب الرواية لابد له من إعادة النظر في قيمه الإنسانية، وإذا كنت من المهووسين بالرواية عليك بأن تقرأ هذا الكتاب الممتع والخلاّب الذي سيدعم توجهك، وإذا كنت من المتشككين في مقولات كل هذا الزمن فإن جوتشيل بفيضان من الحكايات والمعلومات والتحليلات سيزيل هذا الشك من قلبك ليجعلك تستعيد الثقة في قيمة وأهمية وفرادة الرواية.

ولكن خاتمة هذا الكتاب مزعجة للطرفين معاً، المهووس والمتشكك، فالرواية مع الصعود الصاروخي للتكنولوجيا ستختفي في المستقبل المنظور ليحل مكانها، شكل إلكتروني جديد يمزج بين الحكي والصورة، والأهم أن كل متلق سيجد نفسه بطلاً في ذلك الشكل الأقرب إلى «اللعبة»، بطلاً في «نفرلاند» جديدة، حيث لم تعد الثقافة منتجاً نخبوياً، ولم يعد البشر ينظرون بانبهار إلى مغامرات «بيتر بان»، فكلنا سنتحول إلى منتجي أدب، وكلنا سنصبح «بيتر بان» وسيكون لكل منا «نفرلاند» خاصة.

متى سيحدث ذلك؟ وكيف سنتعامل معه في ثقافتنا العربية، بكل أزماتها وإشكالياتها؟ وهل التكنولوجيا هي السبب؟ أم أن الرواية المنتجة الآن والمحتفى بها بصورة غير مسبوقة رديئة ومفلسة ومزيفة، ولن يمر وقت طويل حتى يكتشف الجميع ذلك؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"