آداب وفنون أقل قامة

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

هل انتهت أزمنة ما يُسَمّى الأعمال الأدبية الخالدة، وفي صفة تكريمية أيضاً «الأعمال العظيمة»، والأقرب في الوصف أنها الأعمال الأدبية التاريخية أو الإنسانية الكبرى؟ وهل لن تعود أبداً تلك الأزمنة، ورجالها الكبار أصحاب الأدب الكبير؟
 وضع هوميروس «الإلياذة»، و«الأوديسة» ما بين القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد، ومثلما اختُلف على هوميروس بوصفه هو المؤلف أو أن الملحمتين الإغريقيتين تعودان إلى مجموعة مؤلفين، كما هو الحال الاختلاف على «ألف ليلة وليلة»، كذلك اختلف على بعض الأمكنة التي جرت فيها وقائع الملحمتين. وفي كل الأحوال، وبعد ذلك الزمن الهوميري، لم تظهر أوديسة أو إلياذة في عظمة ذلك النص الإغريقي العظيم الذي يُقرأ، ويترجم إلى العربية وإلى لغات حيّة عالمية أخرى حتى الآن.
كتب سيرفانتيس عمله الخالد «دون كيخوت» في العام 1605، وأصبحت كل ترجمة لهذه الرواية بمثابة رواية جديدة للرواية، لا بل إن بعض مترجمي «دون كيخوت» حازوا امتيازاً في فن الترجمة لمجرد أنهم أقدموا على نقل عمل أدبي كبير بهذه العالمية الروائية إلى العربية.
استغرقت كتابة «الكوميديا الإلهية» لدانتي نحو ثلاثة عشر عاماً (1308-1321)، ووضع جوته ملحمته «فاوست» ما بين العام 1806 و1832، وفي العام 1909 بدأ مارسيل بروست بكتابة «البحث عن الزمن المفقود» في سبعة أجزاء، وفي العام 1863 تقول سيرة حياة ليو تولستوي إنه انتهى من المسوّدة الأولى لروايته «الحرب والسلام»، وأنهى أبو القاسم الفردوسي الملحمة الفارسية «الشاهنامة» في 1010 ميلادية، والسلسلة الخالدة أو العظيمة تطول، ويطول معها الزمن.
هل أنجزت الحضارات والثقافات العالمية خوالد أخرى في حجم تلك العظمة الأدبية الممتدة من قبل الميلاد إلى ما بعده على خط إبداعي مستقيم في التاريخ، ومن دورة أدبية إلى أخرى كانت البشرية تجدد دمها وهواءها أيضاً بكتّاب استثنائيين كما لو يولدون من الأسطورة؟
لم يربح الأدب فقط من هؤلاء الكبار، بل وربحت أيضاً الفنون الحية في العالم؛ السينما حوّلت دون كيخوت وتابعه سانتو بانثا إلى ثقافة بصرية غنائية رفيعة، و«ألف ليلة وليلة» استثمرتها الموسيقى في أعمال استعراضية روائية لا تقل جمالية عن الجماليات الرائعة في السينما، و«الإلياذة» عند هوميروس، كما «فن الهوى» عند أوفيد كانا وإلى اليوم مبعث إلهام فني تشكيلي للكثير من رسّامي العالم.
هل نحن عملياً كعرب وأوروبيين غربيين إلى جوارنا نعيش على بقايا ذلك المجد الأدبي الذي يعود إلى مئات وربما آلاف السنوات، وكلما مرّ الزمن على ذلك التراث الإنساني الكوني ظهرت أصالته أكثر وأكثر، كما ظهرت قيمه الأدبية والثقافية والأخلاقية التي يبحث عنها عالم اليوم في آداب وفنون أقل قامة من طوال ذلك الزمن البعيد؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"