رهان ما بعد «الربيع»

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

أقر البرلمان المصري في الثاني عشر من هذا الشهر قانوناً يجيز فصل الموظفين المنتمين إلى تنظيمات إرهابية من جهات العمل التابعة للدولة. 

 وعندما كان هذا القانون في مرحلة ما قبل الإقرار، فإنه خضع لنقاش واسع داخل مجلس النواب الذي يمثل الغرفة الأولى من غرفتي البرلمان، وكذلك خضع للنقاش خارج المجلس على مستوى الإعلام. 

 وكانت الخلفية التي جرى النقاش على أساسها وربما بوحي منها، هي حوادث القطارات المتكررة التي لم يكن المصريون يكادون يفيقون من حادث منها، حتى يجدوا أنفسهم على موعد مع حادث جديد لا يقل من حيث حجمه عن الأول وقد يزيد. 

 وفي كل مرة كانت التحقيقات الداخلية في مرفق السكة الحديد، تشير إلى أن عناصر محددة بين العاملين في المرفق تقف وراء الحوادث المتكررة.. وفي كل مرة أيضاً كان المتابعون لما يجري في مرفق هو الثاني في العالم، من حيث تاريخ نشأته بعد السكك الحديدية البريطانية، يتذكرون أن جماعة «الإخوان» كانت قد أضافت ثلاثة آلاف موظف إلى السكة الحديد خلال السنة التي حكمت البلاد خلالها. 

 وكان الطبيعي أن تحوم الشكوك حول عناصر من بين هذه الآلاف الثلاثة، وأن تكون هي التي تتسبب من وراء ستار في كل حادث جديد يقع.. وكان الطبيعي أيضاً أن تفكر الحكومة في مشروع قانون يتحول بعد إقراره إلى رادع لكل الذين لا يجدون حرجاً في إلحاق الأذى بكثيرين من المواطنين الذين لا ذنب لهم في شيء، والذين يستقلون القطارات إلى أعمالهم ومنها في كل نهار. 

 ومما قيل بعد إقرار مشروع القانون، أن المشرع راعى فيه روح القانون قبل أن يفكر في تطبيق نص القانون، رغم أن التطبيق سيكون على عناصر تمارس العنف والإرهاب في حق الناس. 

 ومن بين علامات تقديم روح القانون على ما سواه، أن الموظف أو العامل الذي سينطبق عليه القانون سوف يحصل على معاش كامل بعد مغادرته موقع العمل، وسوف يحصل على مكافأة نهاية الخدمة كاملة، وسوف يكون من حقه أن يلجأ إلى القضاء إذا وجد أن في قرار فصله ظلماً وقع عليه.. فإذا حكم القضاء لصالحه فسوف يكون من حقه أن يحصل على تعويض. 

 وهذا كله يدل في مجمله على أن الهدف ليس هو إلحاق الضرر بالذين يثبت في حقهم أنهم يخضعون لحكم هذا القانون، بقدر ما أن الهدف هو كف ضررهم عن الناس. 

صحيح أن القانون لم يصدق عليه رئيس الجمهورية بعد، وصحيح أنه لم يُنشر في الجريدة الرسمية بعد.. فهذان شرطان لبدء تطبيقه، ولكنه سوف يجري تطبيقه في كل الأحوال، غير أن المهم فيه هو أنه سيكون قانوناً رادعاً لكثيرين قبل أن يأخذ طريقه إلى التطبيق. 

 فليس من السهل على أي موظف أو عامل أن يفقد عمله، والمؤكد أن كل واحد ممن يعنيهم القانون سوف يفكر ألف مرة قبل أن يقرر فعل شيء من شأنه إيذاء المواطنين سواء في السكة الحديد أو في غير السكة الحديد، وسوف يكون هذا التفكير من جانبه رادعاً في حد ذاته يمنعه. 

 كنا نراهن في مرحلة ما بعد ما يسمى «الربيع العربي» على أن تدرك جماعة «الإخوان»، أن الحكم ليس هدفاً في حد ذاته، وأنه مجرد وسيلة إلى تحقيق صالح المجتمع في عمومه، فإذا لم يتيسر لها الحكم، وإذا كانت قد أدركته في القاهرة على سبيل المثال، ثم أنزلها المصريون عنه، فليس أقل من أن تحترم إرادتهم، وليس أقل من أن ترضى بحكم الناخبين، وليس أقل من ألّا تُلحق بهم الضرر أو الأذى... كنا ولا نزال نراهن ونأمل لعلّ العقل لدى الجماعة يتغلب على ما عداه من حماقات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"