درعا وأهميتها الاستراتيجية

00:10 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

نبيل سالم

مرة أخرى تقفز مدينة درعا إلى واجهة الحدث في سوريا، بعد فتح الجيش السوري معركة الجنوب لتطهيره من الإرهاب، في رسالة تريد دمشق توجيهها إلى أكثر من طرف، فحواها أنه لا خطوط حُمر أمام أداء الجيش لمهمته الوطنية في تخليص الأهالي من التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة، وأن الخيار الوحيد المتاح أمام هذه التنظيمات هو القبول بالمصالحات، أو الحرب التي من شأنها أن تحسم الأمر بالطريقة العسكرية.

وتجددت الاشتباكات في محافظة درعا مؤخراً بعد هدوء نسبي دام ثلاث سنوات، بموجب اتفاق التسوية الذي توسطت فيه روسيا، بين طرفي النزاع المتمثلين في اللجنة المركزية (المعارضة) واللجنة الأمنية (الحكومة) في عام 2018، ما يحمل في طياته كثيراً من المدلولات والمخاطر في آن واحد.

فكما هو معروف يتعين على الفصائل المعارضة حسب اتفاق التسوية الذي أبرم بين الجانبين، قبول تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة إلى الحكومة في مناطق درعا البلد، التي تشمل طريق السد والمخيم وسجنة والمنشية، وغرز والصوامع، وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين في التسوية وضرورة خروج الإرهابيين الرافضين للاتفاق من درعا، كما أن دمشق تطالب بترحيل خمسة أشخاص من المعارضين المسلحين، إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الموالية لتركيا في الشمال السوري، وهو أمر يبدو أنه لم يتحقق بعد واستمراره معلقاً يُبقي فتيل الأزمة مشتعلاً على الرغم من اتفاقات التهدئة التي تتوسط بها روسيا بين الطرفين.

لكن السؤال الأهم هو: من أين تكتسب درعا أهميتها أو خطورتها على السواء؟

بالتأكيد فإن درعا تمتلك أهمية استراتيجية ليس بالنسبة لسوريا فقط، وإنما بالنسبة للمنطقة لأسباب كثيرة تتعلق بقربها من الجولان السوري المحتل، ومحاذاتها للأردن أيضاً، الذي لا يخفي تخوّفه من موجة نزوح كبيرة إلى أراضيه في حال استمرار النزاع العسكري مفتوحاً، لا سيما بعدما نسب إلى أهالي درعا البلد الرغبة في اللجوء إلى مناطق آمنة، إثر التصعيد العسكري في المنطقة؛

أي أن الأردن سيكون أمام حالة من حالتين، الأولى عدم السماح لهؤلاء اللاجئين بالدخول، أو إدخالهم ولهذا الخيار كلفته وتبعاته الاقتصادية والسياسية أيضاً.

وإذا ما علمنا أن بعض التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة بايع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» سواء علناً أم من خلال ممارساته على الأرض، فإن هناك ما يشبه المصلحة الإقليمية في تنظيف هذه المنطقة من الإرهابيين، فضلاً عن استحالة عودة الهدوء إلى الساحة السورية في ظل استمرار التنظيمات الإرهابية بالعمل في أجزاء من الأراضي السورية، خاصة أن هناك أطرافاً إقليمية ما زالت تدعم الإرهاب وخيارات الحرب في سوريا لأجندات معروفة.

ولذلك، فإن معركة درعا تحتل موقع الصدارة لدى المعنيين بالشأن السوري، خاصة أن جميع الأطراف المنخرطة في الحرب تشارك في هذه المعركة عسكرياً وسياسياً.

كما أن من مصلحة الأطراف التي تعمل بإخلاص لإعادة السلام إلى سوريا، أن تنتهي هذه الأزمة سريعاً؛ لأنه في حال طال أمدها قد تفتح الباب لتداعيات أخطر وعلى رقعة جغرافية أكبر، وهو ما يفسر إصرار الحكومة السورية على تطهير المدينة من جميع مسلحي المعارضة، وإعادة المدينة إلى ما كانت عليها قبل الحرب؛ أي عودة إدارة جميع المؤسسات والدوائر إلى الحكومة وإعادة استتباب الأمن في كامل المنطقة الجنوبية في البلاد.

nabil_salem.1954@yahoo.com

عن الكاتب: