معضلة المصالحة الوطنية

00:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

نبيل سالم

لا نجافي الحقيقة والواقع لو قلنا إن ما تواجهه القضية الفلسطينية في أيامنا هذه يمثل مرحلة هي الأخطر والأدق في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ النكبة الفلسطينية في عام 1948 وحتى يومنا هذا. فالحرب المستعرة في قطاع غزة وما تشهده الضفة الغربية من أحداث تودي بعشرات من الضحايا في صفوف الشعب الفلسطيني، ناهيك عن الأزمات الإنسانية الكبيرة التي يعيشها أهل قطاع غزة ولا سيما في الشمال، حيث يلقي النقص الشديد في الأغذية والمواد الأخرى اللازمة للحياة بظلاله القاتمة، والتي تزيد من صعوبة الأوضاع وتنذر بحدوث مجاعة، تهدد حياة مئات الآلاف، إذ بات الحصول على رغيف الخبز مهمة محفوفة بالمخاطر، إن لم نقل مستحيلة، في ظل استمرار الحرب والحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.

واقع مرير تبدو المنظمات الدولية عاجزة فيه مع الأسف، عن وقف دوامة الحرب والموت، بل وحتى إيصال المساعدات إلى مستحقيها، في مشهد يظهر إلى أي مدى فقدت هذه المنظمات تأثيرها أو حتى مصداقيتها في ما تطرحه من شعارات.

وفي هذا الشأن، أصدرت الأمم المتحدة، تقريراً يسلط الضوء على الوضع المزري المتمثل في ارتفاع معدلات سوء التغذية على نحو يهدد حياة الأطفال في قطاع غزة. ويسلط التقرير الضوء على القلق البالغ، خاصة في الشمال، حيث يقول إن واحداً من كل ستة أطفال دون سن الثانية يواجه سوء التغذية الحاد.

ويلفت التقرير الأممي الانتباه إلى أنه مع استمرار الصراع في المنطقة تضاءل الوصول إلى الغذاء والمياه الصالحة للشرب بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم انتشار الأمراض وتعريض صحة النساء والأطفال ومناعتهم للخطر. وفقاً للتقرير ذاته، فإن الوضع يتفاقم بسبب زيادة الأمراض المعدية، ما يترك أكثر من 90% من الأطفال دون سن الخامسة متضررين.

من جانبه حذر نائب المدير التنفيذي لليونيسف تيد شيبان، من أزمة تلوح في الأفق، مشدداً على الحاجة الملحة إلى إنهاء الصراع لمنع المزيد من التدهور في صحة الأطفال، وقال: «لقد حذرنا منذ أسابيع من أن قطاع غزة على شفا أزمة غذائية. إذا لم ينته الصراع الآن، فسوف تستمر تغذية الأطفال في الانخفاض، ما يؤدي إلى وفيات يمكن الوقاية منها أو مشاكل صحية ستؤثر في أطفال غزة لبقية حياتهم، وستكون لها عواقب محتملة بين الأجيال».

والمؤسف في الأمر أنه، ورغم وضوح هذه المأساة التي يعيشها أبناء قطاع غزة، والدعوات الكثيرة إلى وقف لإطلاق النار، يتيح للمنظمات الإنسانية القيام بدورها في القطاع، يقف سيف «الفيتو» الأمريكي حائلاً في وجه أي دعوة لوقف هذه الحرب، ما يعني أن الولايات المتحدة، هي شريك فعلي للاحتلال في الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين العزل من أبناء الشعب الفلسطيني، ومحاولات التهجير القسري التي يسعى الاحتلال إلى تنفيذها في قطاع غزة علانية، ومن دون مواربة، أمام سمع وبصر العالم كله.

والمعضلة الكبيرة التي تواجه أي محاولة لوقف نزف الدم الفلسطيني هي الموقف الأمريكي المراوغ، وما تمارسه واشنطن من نفاق وكذب ومناورات سياسية لا تهدف إلى وقف الحرب، وإنما زيادة سعيرها، في ظل تصريحات إعلامية مراوغة حول سعي أمريكي مزعوم لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق مقولة حل الدولتين التي باتت اقرب إلى مزحة سمجة، ومجرد وسيلة للتخدير تسوقها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، لكسب المزيد من الوقت، في إطار المشاريع الغربية الاستعمارية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.

ولذلك فإنه من الدقة والصواب القول إن المدخل المتبع من قبل الولايات المتحدة والغرب عامة، هو مدخل لا يؤدي إلى وقف الحرب، ولا إلى إعادة إعمار قطاع غزة أو إلى دولة فلسطينية ذات سيادة، لأن المسألة كلها خرجت من حدود إطار ومفاهيم، وشعارات ومفاوضات لا نهاية لها، وباتت مسألة إنسانية أيضاً بسبب ما يرتكب من جرائم بحق الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني. والمطلوب الآن بعد الوصول إلى وقف الحرب الظالمة التي يتعرض لها الأبرياء، هو اعتراف فعلي بدولة فلسطين، وعملية سياسية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال عن أراضي دولة فلسطين التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، من خلال الأمم المتحدة، وتنفيذ قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومن ضمنها القرار 194 القاضي بحق العودة.

أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي، والذي يبدو الأهم في هذه الأزمة الكبيرة، فمن نافل القول أن تشرذم المواقف والانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية، منذ سنوات طويلة وتغييب الحوار الوطني الفلسطيني الجاد، شكل عامل ضعف وضغط كبيرين على الموقف أو المواقف الفلسطينية السياسية، وبالتالي فإن الدعوة إلى اجتماع عاجل لجميع القوى والفصائل الفلسطينية، من أجل توحيد الخطط السياسية الفلسطينية، تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من تحديات، وفقاً للحسابات الوطنية الفلسطينية بات ضرورياً.

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن هو: ألم يحن وقت المصالحة الفلسطينية والدخول في حوار وطني جاد لمواجهة المواقف العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، واتخاذ قرارات وطنية جادة تضمن المصالح الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وأولها حقه في تقرير المصير؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xnyp8sm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"