من باريس إلى أبوظبي

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد *

انفردت باريس بحفلة أم كلثوم الوحيدة خارج الوطن العربي، غنت على مسرح أولمبيا في مدينة النور فكانت حفلة أسطورية وليلة خالدة. 

في ذلك الشهر الخريفي من سنة 1967 نشرت «مجلة لوموند» ملفاً كاملاً عن أهم العروض الفنية التي شهدتها فرنسا عبر تاريخها، وأكدت أن حفل السيدة أم كلثوم كان واحداً من أهم هذه العروض على الإطلاق، ظهرت أم كلثوم على المسرح المكتظ بمحبيها أكثر من مجرد مطربة بل أيقونة للشرق، وتشدو بقصائد غنائية للعالم العربي كله. ولم يسهر مسرح الأولمبيا أبداً حتى هذا الوقت، وامتدت الحفلة حتى ساعات الصباح الأولى ولكن الجمهور لم يبالِ. في وقت كهذا باريس كلها تعتبر في حالة سبات ولكن داخل المسرح ذي الكراسي الحمراء في تلك الليلة، الأمر كان مختلفاً تماماً، فالحضور مسحور وعلى استعداد للبقاء طوال الليل للاستماع إلى «السيدة» أم كلثوم القادمة من القاهرة والتي كانت تغني وتغني ليتم تمديد وقت نزول الستار وسط هتافات الحشد الموجود.

 ومن باريس إلى أبوظبي، فبعد حفلة الأولمبيا بأربع سنوات استضافت أبوظبي سيدة الغناء العربي أم كلثوم قبل أيام من إعلان قيام الاتحاد، ويؤرخ لهذه الزيارة كتاب «أم كلثوم في أبوظبي» الذي أعده وقدمه محمد المر الرئيس السابق للمجلس الوطني الاتحادي، ويقول الكتاب الذي صدر في عام زايد قبل 3 سنوات إن أم كلثوم جاءت تلبية لدعوة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وفي نص الدعوة «... سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نمتع الأذن بسماع الصوت الشجي، النغم الجميل، آملين أن يتيح لكم الوقت للقيام بهذه الزيارة....».

وصلت أم كلثوم واستقرت مع الوفد المرافق لها في فندق «العين بالاس» على كورنيش أبوظبي، وفي يوم وصولها وجهت كوكب الشرق رسالة شكر للشيخ زايد، طيب الله ثراه، عبر جريدة الاتحاد تقول فيها «... يزيد من سعادتي أني قد جئت إلى أبوظبي في مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد والاستعداد للإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية المتحدة…».

الحفل كان بمثابة هدية من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، إلى والده الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، بمناسبة عيد جلوسه الخامس حاكماً لإمارة أبوظبي. 

استبشرنا بالزيارة وصدرت الأوامر لتقوم وزارة الدفاع ببناء مسرح مؤقت لحفلة أم كلثوم يستطيع استيعاب 4 آلاف كرسي، وتم الانتهاء من بناء المسرح في 3 أسابيع على أرض نادي الوحدة حالياً في العاصمة أبوظبي.

في أبوظبي أحيت أم كلثوم حفلتين، الأولى في 28 نوفمبر 1971، واستهلت أغانيها برائعة «أغداً ألقاك» التي كتبها الشاعر السوداني الهادي آدم ولحنها محمد عبد الوهاب، ثم غنت «الحب كله حبيته فيك.. وزماني كله أنا عشته ليك» من ألحان بليغ حمدي.

في الحفل الثاني بعد يومين تحلت أم كلثوم بعقد من اللؤلؤ الخليجي أهداه لها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وفي حضوره كانت الأغنية الأخيرة «القلب يعشق كل جميل» من ألحان رياض السنباطي.

بعد الإعلان عن قيام دولة الإمارات في دار الاتحاد في دبي توجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي آنذاك إلى ساحة قصر المنهل وأمر برفع علم الاتحاد، وكانت لحظة تاريخية رائعة، وشهدت أم كلثوم مراسم رفع علم الدولة للمرة الأولى في العاصمة أبوظبي.

أجمل ما في الكتاب أن جميع صوره عفوية، ولن تجد صوراً لعيون تنظر مباشرة لعدسة الكاميرا، وعندما تنظر إلى الصور ستتوقف أمام العديد وتطيل النظر في تفاصيلها، وقد يأخذك خيالك لتعيش الأجواء الاحتفالية في أبوظبي آنذاك عندما أشرق النور بإعلان الاتحاد. 

حضرت أم كلثوم إلى أبوظبي وغنت لكل العرب، كانت الحفلة جزءاً من احتفالنا في بداية الخمسين الأولى المباركة، واليوم ونحن على أبواب خمسين جديدة سنحتفل في «إكسبو» بعد عدة أسابيع مع شعوب العالم وعلى مدى 6 شهور، سنروي للعالم قصتنا قبل وبعد، وسيتحدث الحاضر عن نفسه ليقول إن الاتحاد والأمان والانفتاح الاجتماعي والاقتصادي هي ركائز نجاح النموذج الإماراتي. 

يأتي إكسبو ترجمة لرؤية قيادة، وتم الاستعداد له بناءً على خطة مدروسة، على يد فريق تسلح بالإخلاص والمهنية، ونسأل الله التوفيق وأن يجعل إكسبو بشرى خير للقادم من السنين. 

* دبلوماسي إماراتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"