الاقتصاد الجيّد والحاجة إلى إدارة الموارد الطبيعية

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق*

في دراسة بعنوان «اقتصاد الطبيعة» للأستاذ الفخري بارثا داسغبتا، بجامعة كمبردج البريطانية منشورة في مجلة التمويل والتنمية خريف 2021، ذكر «تمثل السنوات السبعون الماضية قصة نجاح من نواحٍ عديدة: نحن بصحة أفضل، ونعيش أطول، ونتمتع بمتوسط دخل أعلى من أسلافنا. انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع بشكل كبير. نظراً لأننا نستفيد من التقدم في التكنولوجيا والعلوم الحديثة وإنتاج الغذاء، فقد يتم إعفاؤنا من الاعتقاد بأن البشرية لم تكن تتمتع بهذه الجودة من قبل. ارتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل هائل منذ خمسينات القرن العشرين، وكان الناتج المحلي الإجمالي العالمي أعلى بمقدار 15 مرة». يذكرنا الأستاذ داسغبتا بأن الازدهار الذي تمتعنا به يعتمد على الطبيعة التي تحيط بنا والتي نحن جزء منها - من الطعام الذي نأكله، إلى الهواء الذي نتنفسه، ومع ذلك تغاضى علم الاقتصاد عن الطبيعة، الأمر الذي يستوجب إعادة التفكير في إطار اقتصادي يوفر حيزاً للطبيعة من خلال ثلاثة انتقالات واسعة ومترابطة هي:

(1) التأكد من أن ما نطلبه من الطبيعة لا يتجاوز العرض. ولكن الواقع أن ما نطلبه من الطبيعة قد تجاوز منذ عدة عقود قدرة الطبيعة على تلبية تلك المطالب على أساس مستدام، مما أدى إلى تدهور المحيط الحيوي بمعدل ينذر بالخطر. إذا أردنا تجنب تجاوز حدود ما يمكن أن توفره الطبيعة مع تلبية احتياجات السكان، لا بد من إعادة هيكلة أنماط الاستهلاك والإنتاج بشكل أساسي.

(2) الانتقال الثاني معني بإعادة تشكيل الأدوات المستخدمة في القياس الاقتصادي. يظل الناتج المحلي الإجمالي مقياساً حاسماً للنشاط الاقتصادي عندما يتعلق الأمر بتحليل الاقتصاد الكلي قصير الأجل، لكنه ليس مقياساً مناسباً للأداء الاقتصادي طويل الأجل. هذا لأنه لا يخبرنا كيف يتم تعزيز أصول الاقتصاد، ولا سيما أصوله الطبيعية، أو تقليصها من خلال القرارات التي نتخذها، لأن أسلوب تقدير الناتج المحلي الإجمالي الحالي لا يفرق بين الثروة والدخل وبالتالي يشوه الاقتصاد ويضعف الاستدامة.

وهذا ما ذكرته في مقال نشر هنا بتاريخ 10 فبراير 2019 وذكرت مكونات الثروة الوطنية والتشوهات التي تشوب الاقتصاد نتيجة تقدير الناتج المحلي الإجمالي بالأسلوب الحالي: نذكرُ أن ثروة بلد ما تتضمن (حسب البنك الدولي) رأس المال المنتج (الأبنية والمصانع والبنية التحتية)، ورأس المال الطبيعي (الأراضي بأنواعها المختلفة، والمعادن والنفط والغاز)، ورأس المال البشري، وصافي الأصول الأجنبية المالية وغير المالية.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إذا كان استهلاك البلد أقل من ناتجه المحلي الإجمالي، يحقق البلد ادخاراً يمكن أن يستخدمه لتمويل الاستثمار، الأمر الذي يزيد ثروة البلد المعني. أما التشوهات التي تقع على اقتصاد الوطن فهي تتجسد في: المبالغة في مستوى الناتج المحلي الإجمالي (الدخل)، المبالغة في المدخرات الوطنية، المبالغة في تراكم الثروة الوطنية، المبالغة في وضع الحساب الجاري، التقليل من شأن الاستيعاب المحلي، التقليل من عجز المالية العامة، التقليل من أهمية المساعدات التي تقدمها الدول النفطية إلى الدول الأخرى.

السؤال في ضوء ما تقدم هو ما العمل؟ الأستاذ داسغبتا يوصي باستخدام مقياس يراعي قيمة كل مكونات الثروة الوطنية ويقترح تسميته «الثروة الشاملة» التي تبين فوائد الاستثمار في الأصول الطبيعية والمفاضلات والتفاعلات بين الاستثمارات في الأصول المختلفة. أما الانتقال الثالث (3) فهو معني بتحويل المؤسسات لتمكين التغيير، وخصوصاً في ما يتعلق بأسعار السلع والخدمات المختلفة التي تقدمها الطبيعة والتي لا تعكس قيمتها بالنسبة للمجتمع. التشوهات في الأسعار تؤدي إلى زيادة الاستثمار نسبياً في الأصول الأخرى، مثل رأس المال المنتج، ونقص الاستثمار في الأصول الطبيعية.

تدفع للناس أكثر لاستغلال الطبيعة بدلاً من حمايتها. تقدير متحفظ للتكلفة العالمية الإجمالية للإعانات التي تلحق الضرر بالطبيعة حوالي 4 إلى 6 تريليونات دولار سنوياً.

الطريقة الوحيدة لمكافحة أزمة التنوع البيولوجي هي من خلال التغيير التحويلي، الذي يتطلب التزاماً مستداماً من الجهات الفاعلة على جميع المستويات.

* مستشار اقتصادي ومالي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"