الفصل في مقولة راسل

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمكن الحصول على جواب قاطع عن هذا السؤال: ما الذي جعل الفيلسوف البريطاني برتراند راسل يقول: «إن لغة المستقبل ستكون معادلات»؟ كلامه مدوّخ، فهل هذه نبوءة علمية، ومضة فلسفية، تجليات صوفية؟ من الصعب الخطور على البال أن مقولته هذيان في لحظة هيمان، أو هراء صريح في مهب الريح. لماذا؟ لأننا أمام فيلسوف من طراز علمي خاص.
راسل فلسفته ليست من قبيل الفلسفة التي شُجّت حميّاها بالأدب، مثل نصوص فولتير، ولا هي منحوتة من صخر كالمثالية الألمانية لدى هيجل وكانط، فهذا الرجل عالم رياضيات ومنطق، وكان ولا يزال له تأثير كبير في الرياضيات، المنطق، اللسانيات، الذكاء الاصطناعي، العلوم الاستعرافية (علوم الإدراك)، علوم الحاسوب، فلسفة الرياضيات، الإبستمولوجيا (نظرية المعرفة). بهذا التفصيل ندرك أن ما قاله راسل يستدعي إقامة منصة إطلاق لمئة خيال علمي.
العناصر المذكورة، هي أدوات راسل، التي هدته إلى مقولته. هو ليس صاحب فكر مجرد. لقد رحل سنة 1970، وكانت الحواسيب موجودة بعد منتصف القرن، وكانت المعلوماتية متكاملة، وكان عالماً عليماً بالميادين، مستشرفاً لفضاءات تطوّرها، مدركاً أن التحولات التي ستحدثها في حياة البشر عظيمة، فهل أراد عمداً وقصداً أن يطلق سهماً لا يستطيع حتى العلماء إدراك مرماه؟ أمّا الشعوب والأمم، التي تحتاج إلى عزم أجيال حتى تبسّط ما يرهقها من تعقيدات نحوها وصرفها، فمقولة راسل تقع لديها على مسافة سنين ضوئية.
أغلب الظن أن الفيلسوف رأى في الآفاق علامات لم يرها أحد غيره في العقد السابع ولا قبله قطعاً. ما حاجة البشر إلى التخلي عن الحرف والكلمة والجملة، والبناء النحوي، وجمال البيان والتبيين، إذا كان التعبير سيظل مقتصراً على أحمد وميشيل وكريشنا وفلاديمير؟ أما إذا اشتد عود الذكاء الاصطناعي وشبّ عن الطوق كأداة معلوماتية في يد الإنسان، وصار طرفاً ذا فكر ووعي ولو في طريقه إلى التكامل، وصار الذكاء البيولوجي في حاجة إلى التعامل مباشرة مع الذكاء الاصطناعي بلا وسيط، فحينئذ لن يجدي التخاطب مع الآلة الذكية الواعية، بأن الفرّاء مات وفي نفسه شيء من حتى، ولا أن المشكلة متوقفة على فك الاشتباك بين نحاة البصرة والكوفة. آنذاك لا حل سوى التخاطب بلغة المعادلات.
لزوم ما يلزم: النتيجة الترجيحية: هل لديك تفسير أفضل؟ هاته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"