جيوش البطالة العربية

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

مؤخراً، وبالتحديد في أغسطس/ آب من العام الجاري، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية تقريراً مقلقاً، ألقت فيه الضوء على حجم البطالة في المنطقة العربية.

وجاء في هذا التقرير أن «عدد الأفراد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية بلغ 14.3 مليون شخص؛ وذلك في أعلى مستوى بطالة في العالم، لا سيما بين النساء والشباب».

ويكشف التقرير عن واقع عدم قدرة سوق العمل في المنطقة، وبالأخص القطاع النظامي، على خلق فرص عمل عادلة وكافية، مظهراً في الوقت ذاته الأعداد المرتفعة للعاملين في القطاع غير النظامي، التي تبلغ نحو ثلثي إجمالي اليد العاملة العربية، جرّاء التغيرات الديموغرافية، وعدم الاستقرار السياسي، وتراجع الاستقرار المالي والنقدي.

ويسلط التقرير المذكور الضوء على عدم المساواة بين الجنسين، وتداعيات جائحة «كورونا» على أسواق العمل إضافة إلى الصراعات التي تشكل عقبة أساسية، في طريق المحاولات الرامية إلى تخفيف نسبة البطالة في منطقتنا العربية، التي ابتليت مع الأسف بصراعات وحروب واضطرابات سياسية، ناهيك عن الصراعات الطائفية التي تعمل على تغذيتها جهات خارجية، بهدف إضعاف الموقف العربي.

والحقيقة التي لا بد من التوقف عندها في هذا الشأن هي أن مشكلة البطالة ظاهرة مركبة ذات أبعاد اجتماعية، وأمنية، وسياسية اقتصادية، وسياسية، ديموغرافية، وأنها أي - مشكلة البطالة- تعد من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع العربي والاقتصاد العربي والتي تواجه المجتمع الإنساني؛ حيث إن هذه الظاهرة تثقل كاهل المجتمعات التي تعانيها، وتضعف؛ بل قد تدمر اقتصاداتها، باعتبار أنها تمثل هدراً مجانياً للطاقات الشابة والمنتجة التي تعول المجتمعات عليها كثيراً من أجل التغيير نحو الأفضل، وبناء المستقبل.

وتُعرّف البطالة بأنها عدد الأشخاص القادرين على العمل والإسهام في عجلة الإنتاج، لكنهم لا يعملون، على الرغم من امتلاكهم القدرات والمؤهلات اللازمة للعمل، أما منظمة العمل الدولية فإنها تُعرّف العاطلين عن العمل بأنهم أفراد قوة العمل الذين يرغبون في العمل وفق الأجور السائدة ويبحثون عنه ولا يجدونه.

والبطالة لها آثار سلبية كبيرة ومتنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع معدلات الجريمة بين العاطلين عن العمل، أو تزايد الأمراض النفسية التي قد تقود إلى تفشي الكثير من الظواهر الخطرة في المجتمع ومنها ظاهرة العنف العائلي أو ظاهرة تأخير الزواج، وما يترتب على ذلك من آثار على جيل الشباب، الذي قد يصاب بالإحباط، إذا ما علمنا أنه وبحسب الكثير من الإحصاءات التي نشرت خلال العقد الماضي أشارت إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد العاطلين عام 2025 إلى نحو 80 مليون عاطل عن العمل، خاصة وأن معدل النمو السكاني في الوطن العربي يعد من أعلى المعدلات عالمياً، في ظل غياب أي تنسيق عربي جماعي لمواجهة هذه المعضلة الخطرة، التي ازدادت بشكل ملحوظ خلال فترة ما سُمي بـ«الربيع العربي»، التي لم تؤد إلى ازدياد البطالة وحسب، وإنما إلى هروب الملايين من الدول العربية التي أصابها شرر الاضطرابات التي أثارها هذا «الربيع» ولجوئهم إلى دول أخرى، ما أدى إلى خسارة الدول العربية للكثير من طاقاتها الشبابية المنتجة، التي باتت تصب في عجلة اقتصادات الدول الأخرى بدلاً من استثمارها في المجتمعات العربية.

وبعيداً عن الأسباب السياسية والاضطرابات التي شهدتها العديد من الدول العربية، ولا سيما خلال العقد الماضي، فإن هناك أسباباً كثيرة أخرى زادت من أزمة البطالة في الوطن العربي، ومنها إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الكثير من البلدان العربية.

وأمام هذا الواقع القاتم لا بد من وجود خطط عربية رسمية لتفعيل وتشجيع الشباب، وإعطائهم الدفع الكافي وتوفير فرص العمل لهم، وإلا فإن المجتمعات العربية ولا سيما تلك التي ابتليت بالاضطرابات السياسية مؤخراً ستبقى تعاني تلك الظاهرة الخطرة، التي تعيق تقدم هذه المجتمعات على الصعد كافة، طالما بقيت جيوش العاطلين عن العمل قائمة فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"