الجانب الطيب في الناس

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في العادة وخلال تفاعلنا الاجتماعي مع الآخرين، نصطدم بمواقفهم أو آرائهم ووجهات نظهرهم التي تختلف كلياً عما نراه ونريده ونتطلع إليه. وفي بعض الأحيان يكون هذا الاختلاف جذرياً وليس هامشياً؛ رئيسياً وليس جانبياً، بمعنى التضاد بين الآراء، واحد في الشمال والآخر في الجنوب، ولا أمل إلا بالتنازل والتقبل والتساهل، ومع هذا تجد الموقف الصلب القاسي الجامد، هنا تزداد الفجوة وصعوبة الالتقاء.
مثل هذا الاختلاف قد يكون في أي جزئية وفي أي قسم، وفي أي مجال من مجالات الحياة التي نعيشها، فإن حدث مثل هذا التباين في بيئة العمل، فإن مَن اختلفنا معه يصبح إنساناً غير محبوب أو نتجنبه تماماً، ونعتبر موقفه شخصياً أو محاولة للاختلاف ولا أكثر؛ لأنه أصلاً لا يتقبلنا أو لا يريدنا. وهكذا يتم تحويل الخلاف العملي البحت إلى شأن شخصي ويكبر مع النفس والذات حتى يسيطر على التفكير وتصبح حالة الاختلاف تلك منطلقاً للكراهية والعداء. 
في هذا السياق عندما نصطدم بالآخرين في موقف من مواقف الحياة، نحن لا نُرجع مثل هذا الاصطدام إلى جوانب بعيدة عن النفس والاستهداف الشخصي، ونضعها في سياقها الطبيعي مثل اختلاف في العمل أو الأولويات أو الاجتهادات أو نحوها؛ بل تحدث شخصنة لمثل هذا التباين وجعله سبباً رئيسياً للعداء، وأنه استهداف لنا ولعملنا وطريقة أداء هذا العمل.
 مع مثل هذه الحالة ننسى تماماً جوهر الآخر الذي اختلف معنا، ننسى اجتهاده، ننسى إخلاصه، ننسى صدقه، ننسى أنه يسعى هو أيضاً للكمال والتمام والنجاح، ننسى أنه مجتهد ولا يقصدنا شخصياً. 
مثل هذه الحالة تجعل من الأهمية أن نعلم أنفسنا مهارات جديدة تتعلق بالحكم على الوقائع، ونتعلم الفصل بين مشاعرنا وبين ما نتعرض له من ضغوط وعقبات وصعوبات في بيئة العمل أو نحوها من مجالات الحياة، نتعلم مهارة عزل المشاعر الشخصية والذاتية والخاصة عن التفكير العملي، وعن القرارات والآراء التي تختلف عنا، نتعلم أن ننظر للناس بعمق ونحاول فهم جوهرهم وما يحملونه من أصالة وطيبة وأخلاق بغض النظر عن اختلافهم معنا، بغض النظر عن رأيهم الذي يتضاد مع ما نراه. 
تنسب للروائي الروسي الشهير ليو تولستوي كلمات تقترب من هذا المعنى جاء فيها: «ابحث دائماً عن جانب الطيبة في الناس، ولا تبحث عن جانب الخبث». نحتاج إلى مهارة البحث العميق في الجوانب الإيجابية لكل إنسان، والنظر وفقها والحكم في إطارها.
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"