الرابحون في السباق الانتخابي

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

أفرزت الانتخابات المبكرة التي جرت في العراق أول أمس الأحد رابحاً كبيراً، إن لم يكن الرابح الأكبر، هو الشعب العراقي بالذات. وبينما تحتفل الأحزاب والقوى السياسية بنجاح مرشحيها في السباق الانتخابي لتشكيل البرلمان والحكومة، فإنها لن تنسى أن هذه الانتخابات جاءت نتيجة للمواجهة التي خاضها الشارع العراقي مع الطبقة السياسية تحت لافتات محاربة الفساد وسوء الإدارة الحكومية، ومن أجل تحسين الخدمات المعاشية والصحية والتعليمية، التي أصابها التردي والعطب وقاربت على الانهيار بسبب الأداء المخيب للآمال للأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة التي تولت الحكم خلال الفترة السابقة.

جاءت الانتخابات نتيجة الضغط الشعبي المتعاظم عندما نزل آلاف الشباب إلى الشوارع للاحتجاج على سوء الأوضاع، وهتفوا ضد الفساد وتردي الخدمات والغلاء الذي أثقل كاهلهم وأغلق أمامهم أبواب الأمل وآفاق التغيير. هذه الاحتجاجات التي خلفت مئات الضحايا لم تكن تحارب أشباحاً أو كائنات قادمة من كوكب آخر، لكنها كانت موجهة ضد الطبقة السياسية الحاكمة منها والمعارضة. وكانت هذه الاحتجاجات صريحة في تحميل المسؤولية لهذه القوى التي تحتكر الحديث وتتولى السلطات والمناصب باسم الشعب.

وفي واقع الأمر، فإن الطبقات السياسية في العديد من الدول وليس في العراق وحده، باتت تعيش في عوالم خاصة ومعزولة عن هموم الشارع واهتماماته وقضاياه ومشكلاته الحياتية، وتعتبر أن وصولها للسلطة أمر مسلم به ولا يشاركها فيه أي طرف من خارج المؤسسة. غير أن الشعب العراقي نجح في قلب الطاولة على هذه المفاهيم وفرض نفسه رقماً صعباً في معادلة الحكم والسلطة، ويملك حق الفيتو في العملية السياسية وحق الإزاحة والتغيير أيضاً.

لقد ألقت الخلافات والصراعات العبثية والمناورات المحتدمة بين القوى السياسية وفسادها وسوء إدارتها بظلال ثقيلة على واقع الشعوب. وتفتحت أعين الشعوب على مفارقات كبيرة يصعب تقبلها. فلم تعد تدخلات استعمارية خارجية أو مبررات أخرى من النوع الذي تعلق عليه الطبقات الحاكمة فشلها في توفير الاستقرار والحياة الكريمة للمواطنين. فالعراق مثلاً بلد غني ومن اللائق أن يتمتع أبناؤه بهذه الثروة لكن شعبه يعاني صعوبات في العيش، فمن هو المسؤول عن هذه المفارقة الغريبة؟

لقد انتبهت الطبقة السياسية لقوة الشعب ونفوذه وصوته العالي في صناعة الحاضر والمستقبل. ومهما تكن طبيعة التوليفة الحاكمة الجديدة التي ستفرزها انتخابات الأحد، فإن الشيء الذي لا خلاف عليه أنها ستضع في حساباتها هذا الحاضر الجديد، صاحب المصلحة الحقيقية في ضمان كفاءة الموظف الحكومي المسؤول الذي يحسن الأداء ويخشى الوقوع في الفساد اعتماداً على المراقبة الشعبية اللصيقة واليقظة.

ضاعفت انتخابات الأحد في العراق، وهي ليست الأولى وقد سبقتها استحقاقات ديمقراطية عديدة، من تراكم الوعي الشعبي المتنامي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجموعات، وفي ذلك مكسب كبير للعملية السياسية برمتها. كما أنها توفر حافزاً، وتقدم دروساً مستفادة لشعوب أخرى مثل الشعبين الليبي والسوداني اللذين ينتظران دورهما في إجراء استحقاقات مماثلة في المستقبل القريب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"