الرقمي لمشكلات التراث

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي التغييرات في المفاهيم التي سيحدثها الرقميّ والذكاء الاصطناعي، في ديار الأدب؟ الأفضل القول: في ميادين العربية وآدابها. قال القلم: يقيناً، سنرى تصحيحاً لما ساد على مرّ القرون. سيكتشف اللغويون والأدباء والنقاد، أن أموراً كثيرة ليست من علوم اللغة ولا الأدب ولا النقد الأدبي، وإنما هي ريش منفوش، ووهم منقوش.
من جمائل التقدم العلمي والتقاني على حياة البشر، اختصار الزمن والمكان. كم كان يتطلب الحج من مراكش إلى مكّة المكرّمة؟ وكم يطول إرسال بضاعة من الصين إلى البلاد الأوروبية؟ اليوم تصعد الطائرة وفي جيبك مئة ألف كتاب في ذاكرة وميضيّة (فلاش ميموري)، بل يمكن إرسالها في حزم «بي.دي.اف» إلى أهل الأقاصي قبل أن يقوموا من مقامهم، وقبل أن يرتدّ إليك طرفك. لن تقول إن ذلك ليس أسرع من إرسال السلام إلى الحبيب مع النسيم، أو حتى مع الحمام أو طائر الوروار.
مثلاً: لن تُعدّ من التحقيقات بعدُ، المؤلفات من قبيل «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» لمحمد فؤاد عبد الباقي. كذلك «المعجم المفهرس لألفاظ الشعر الجاهلي» للدكتور المختار كريّم. ماذا لو أراد باحث أو مركز دراسات معرفة أهمّ ألف مفردة تناولتها دواوين ألف شاعر عربي، مع استخراجها لفظاً لفظاً، بيتاً بيتاً، قصيدة قصيدة، ديواناً ديواناً، شاعراً شاعراً؟ سيقال لبعضهم: «من أنتم؟». اليوم، نقرة على فأرة، وتردّد ما لم يقله المعرّي: «نقرةٌ كلها البحوث فما أعجب إلاّ من راغب في ابتعادِ». هذه أعمال آليّة وليست جهوداً جبّارة إلاّ حين تنعدم إمكانات اختصار الزمن في إنجازها.
في تاريخنا الأدبي عانى الأدباء والنقاد الويلات في فحص المنحول لمعرفة الأصيل. هذه محنة كل اللغات والثقافات. الفرنسيون استعانوا بالحاسوب العملاق في انتقاد معادن أدبهم الكلاسيكي، كان، والحق يقال، خير راع ألماني مدرب. حاسة شمّ الحاسوب تساوي ألف نَقّاد وقّاد. إذا حُشرت الدواوين في قرص الحاسوب، وانطلقت معالجات البيانات المتوازية، فكل منحول مغلول، وكل أصيل مكرّم بتجليل. أغلب الظن، أن المفاجآت ستكون صاعقة مدوّية، في ميراث الجاهلية والقرون الثلاثة الأولى، ففي القرنين الأوّل والثاني، الإسلاميين، ظهرت فئات من الرواة، لعبت أدواراً عجيبة مريبة، في كل الميادين. للأسف، أسست القاعدة التي قامت عليها أمور كثيرة في علوم اللغة والعمل المعجمي والمسيرة الأدبية.
لزوم ما يلزم: النتيجة المفتاحية: أقفال مُحكمة لا يحلها إلاّ الرقمي والذكاء الاصطناعي، بالحواسيب العملاقة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"