عادي

الأمن.. نعمة الله على عباده

23:12 مساء
قراءة 4 دقائق
شرطة أبوظبي تخفف عن العمال بمظلات ومياه باردة

لكلّ إنسان سويّ حق طبيعي في التمتع بالأمن، فالقرآن الكريم أوجب على المسلمين احترام مواثيق الأمان حتى مع الكافرين، فلا يجوز لأيّ من كان تعكير صفو حياة الإنسان، وجعله أسير الحزن والأسى من خلال التهديد والوعيد والاعتداء.

يتحدث د.مروان إبراهيم القيسي في «موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام» عن أن «الأمن نقيض الخوف، وهو سبب للاطمئنان والسكون، وهو أنواع منه الأمن الاقتصادي والأمن النفسي، وضدهما الخوف على المستقل والرزق، والقلق والجزع، وما يهمنا هنا الأمن الجسدي، وهو أمن الإنسان على حياته وماله وعرضه، وهو نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على كثير من عباده، وهو حق لكل إنسان ليس لأحد إلا الله تعالى أن يسلبه منه إلا ما كان في الحرب المشروعة في سبيل الله تعالى بإذن الإمام.

ولعظم قدر الأمن، امتن الله تعالى على قريش بنعمتين، فقال تعالى: «لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» (سورة قريش – الآيات من 4:1)، فجعل سبحانه إنعامه عليهم بالرزق والأمن حجة عليهم كي يعبدوه وحده».

ويقول القيسي:«من الآيات الدالة على أهمية الأمن وعلى كونه نعمة عظيمة قوله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ» (سورة النور – الآية 55)، وقوله: «وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» (سورة البقرة – الآية 125)، وقوله «ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ» (سورة الحجر – الآية 46)، وقوله: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ» (سورة سبأ – الآية 18). وكما جعل سبحانه الأمن نعمة، جعل الحرمان منه عقوبة لمن لم يحسن الإفادة منه فإنه عندئذ يعاقبه بضده وهو الخوف، قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» (سورة النحل – الآية 112)».

والأمن وإن كان في حد ذاته نعمة، فإنه في الوقت نفسه سبب لكثير من النعم، وفق القيسي، ففي ظله تتحقق للإنسان حقوقه الأخرى، وبه تحفظ له منجزاته من ملكية خاصة، وحرية التصرف، والانتقال وحفظ الأعراض، وحقوق المسكن والستر والخصوصية.

ونظراً لأهمية الأمن في حياة الإنسان، شرع الحكيم العليم ما يحقق هذا الحق ويحول دون المساس به، من ذلك الدعوة إلى توحيد الله، وقطع يد السارق، ومشروعية حد الحرابة، وتشريع القصاص، وإقامة العدل بين الناس، وإقامة الحدود علانية، وحرص الإسلام بشدة على أمن الناس وعمل على ضمان هذا الحق إلى الحد الذي جعل ترويع المسلم، ولو على سبيل المزاح فعلاً محرماً.

المفكر الإسلامي الراحل د. محمد الغزالي يشير في كتابه «حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة» إلى أن «الإسلام حرّم كل عمل ينتقص حق الإنسان في العيش بأمان، سواء كان هذا العمل تخويفاً أو إهانة أو ضرباً أو اعتقالاً، أو تطاولاً أو طعناً في العرض، وأن حياة الإنسان المادية والأدبية موضع الرعاية والاحترام، قال عليه الصلاة والسلام: «ظهر المسلم حمى إلا بحقه» رواه الطبراني، وقال: «من جرّد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان» رواه الطبراني».

ويضيف: «الإسلام يحب إشاعة الطمأنينة التامة في أكناف المجتمع، بحيث ينال الإنسان، مسلماً كان أو غير مسلم، نصيباً موفوراً من طمأنينة الحياة واستقرارها. حدّث زيد بن سعنة، وهو من أحبار اليهود، أنه أقرض النبي، صلى الله عليه وسلم، قرضاً كان احتاج إليه ليسد خللاً في شؤون نفر من المؤلفة قلوبهم، ثم رأى أن يذهب قبل ميعاد الوفاء المحدد ليطالب بدينه، قال: فأتيته، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، أي عابس، فقلت له: يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب إلا مطلاً (مسوفين في أداء الحقوق)، وقد كان لي بمخالطتكم علم.. ونظر إليّ عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله.. أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحذر فوته لضرب سيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ في سكون وتؤدة، فقال: «يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن اتباعه، اذهب به يا عمر فأعطه، وزده عشرين صاعاً من تمر مكان ما رعته»، قال زيد: فذهب بي عمر، فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أزيدك مكان ما رعتك. رواه الطبراني، إن ترويع يهودي آذى صاحب الرسالة بلسانه ويده لم يأذن صاحب الرسالة به، وأمر أن يبذله مكانه عوضاً تطيب به نفسه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"