عادي
حقوق الإنسان من القرآن والسنة

التملك

22:40 مساء
قراءة 4 دقائق

منح الإسلام الإنسان الحق في التملك وحرية التصرف فيما يملك، كما حمى الملكية الخاصة من كل أشكال الاعتداء، ومنع الاستيلاء عليها إلا للمصلحة العامة مقابل تعويض عادل.

أورد عبدالرحمن بن حمّاد العمر في كتابه «حقوق الإنسان التي حفظها الإسلام»، أن «الإسلام حفظ حق الإنسان في تملك المال والتصرف فيه على الوجه المشروع الذي يحصل به التكافل الاجتماعي وزيادة الإنتاج والقضاء على البطالة وتشجيع المنتجين ومنع المتآمرين المحتالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل وهم جلوس لا يعملون. وهذا الحفظ المثالي لحق الإنسان في المال كسباً وإنفاقاً يتمثل في الدين الإسلامي بأن الله تعالى أوجب على الإنسان أن يعمل وأن ينفق كسبه على زوجته وأولاده ووالديه إن كانا حيين أو أحدهما وهما بحاجة إليه، ونهاه أن يكون كسلان بطّالاً عالة على المجتمع، وفتح له أبواب الكسب الحلال الكثيرة».

ووفق العمر «أوجب الحق تعالى على الإنسان أن يكون مخلصاً في عمله أميناً لكي ينفع نفسه ومجتمعه، ولكي يكون كسبه حلالاً طيباً يبارك الله له فيه ويأجره عليه في الدار الآخر، وحرم عليه المكاسب المحرمة، كما حرم عليه في الإنفاق أن يكون بخيلاً يضر نفسه وأهله وأولاده بمنع ما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب الحلال والملبس وهو يقدر على ذلك، وفي مقابل ذلك يحرم عليه التبذير والإسراف وشراء الأشياء المحرمة، وأمره بالصدقة على الفقراء والمساكين والأيتام وفي المشاريع الخيرية».

حب المال

كما يقول د.محمد بن أحمد بن صالح الصالح، في كتابه «حقوق الإنسان في القُرآن والسُّنَّة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية»، فإن الإنسان جبل على حب المال وتملك الأشياء، قال تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ» (سورة آل عمران – الآية 14)، وقال أيضاً «المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً» (سورة الكهف – الآية 46).

لذلك يقر الإسلام، حسب الصالح، الملكية الفردية، ويذلل أمام الفرد سبل التملك والحصول على المال، ويعطي كل مجتهد جزاء اجتهاده من ثمرات الحياة. ولا يكتفي الإسلام بإقرار الملكية وتيسير سبل الحصول عليها، بل يحيطها كذلك بسياج قوي من الحماية كما تدل على ذلك العقوبات الدنيوية والأخروية التي يقررها لمختلف أنواع الاعتداء على الملكية، فقد نهى القرآن الكريم عن الاعتداء على الملكية ما دامت في الحدود التي رسمها الشارع، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» (سورة النساء – الآية 29)، أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بما حرَّم الله عليه من الربا والقمار، وغير ذلك من الأمور التي نهاكم الله عنها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اغتصب شبراً من أرض طوقه من سبع أراضين يوم القيامة»، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»، ومن ذلك يتضح أن الإسلام قد صان الملكية الفردية من الاعتداء عليها، ووضع التشريعات اللازمة لحمايتها.

العمل المشروع

يضيف الصالح: مع اعتراف الشريعة الإسلامية بحق الإنسان في التملك، وحقه في التصرف بملكه، فقد قيدت هذا الحق في اكتسابه وتنميته وإنفاقه وما يتعلق به من حقوق للغير، فأسباب نشوء هذا الحق، كما تقرره الشريعة، هي العمل المشروع بصوره العديدة، والميراث والوقف والوصية والهبة وغير ذلك، وليس من أسبابه ما حرّمته الشريعة كالسرقة والربا واستغلال النفوذ ونحو ذلك. وإذا ثبت ملك الإنسان، بناء على سبب شرعي، فله أن يستثمره وينميه بالطرق المشروعة كالزراعة والصناعة والتجارة، وليس له أن ينميه بالغش والربا والاحتكار وما إلى ذلك من الأمور التي تتنافى مع أحكام الشريعة السمحة.

ومن الأمور الثابتة في الشريعة أن الإنسان يحاسب عن ماله، كسباً وإنفاقاً، يوم القيامة، وفي ذلك يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه» أخرجه الترمذي، فالمال هو الشيء الوحيد الذي يُسأل الإنسان عنه مرتين، مرة عن مصدر اكتسابه، وأخرى عن جهة إنفاقه، فيجب أن يكون المصدر والمصرف كلاهما في حدود ما أحل الله.

ومن المقرر شرعاً أن حق الملكية يخول المالك حرية استعمال الشيء المملوك واستثماره والتصرف فيه بكافة التصرفات المشروعة من عقود المعاوضات والتوثيق والإرفاق والتبرعات، وفق الصالح.

حرية التصرف

يتابع الصالح: الإسلام وإن كان قد أقر حق الملكية الفردية، وحرية التصرف فيها، إلا أنه لم يدع الحق على إطلاقه، وإنما قيده بقيود معينة، فإذا أساء المالك التصرف في أمواله بما يضره ويضر بالمجتمع الذي يعيش فيه، فإن الإسلام يرى في هذا التصرف هلاكاً للمال، وضياعاً للمالك، وتفويتاً لصالح الجماعة، ويعتبر هذا المالك سفيهاً يجب تقييد تصرفاته بالحجر عليه، ويضع المال تحت يد من يصونه ويستثمره بالطرق المشروعة، وبما يعود بالنفع على المالك وعلى المجتمع. قال تعالى: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوَهُمْ فِيهَا وَاكْسُوَهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً» (سورة النساء – الآية 5).

وإلى جانب الملكية الفردية، جعل الإسلام الملكية الجماعية، أو الملك العام (في مقابل الخاص) وتقع هذه الملكية على الأشياء التي ينتفع بها الناس كافة، ولا يجوز أن يستأثر بها أحد لنفسه، فقال صلوات الله وسلامه عليه: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» أخرجه أبوداود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"