أمل يعيش عليه المهاجرون

00:27 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

سليمان جودة

لن تتخلص أوروبا من أرق الهجرة إليها، إلا إذا نظرت إلى القضية من الزاوية التي يتطلع منها أديب نوبل عبد الرزاق جورنة إلى القضية نفسها.

الأديب التنزاني جورنة فاز بالجائزة هذه السنة، وفي حيثيات فوزه إشارة إلى أنه مهموم بمسألة الهجرة منذ وقت مبكر في حياته، وبالتحديد منذ هاجر من بلاده في نهاية ستينات القرن الماضي إلى بريطانيا؛ حيث عاش يكتب ولا يزال.

ومن عناوين رواياته سوف تكتشف أن الهجرة قضية تشغله طول الوقت، وأنه باعتباره مهاجراً في الأصل إنما يكتب عن أمر يعرفه، وعن تجربة خاضها، وعن هموم عاشها، وعن هواجس لازمته، وعن قلق لم يفارقه، وعن فكرة كان في القلب منها دائماً.

وكان هو في يوم الإعلان عن فوزه بنوبل في هذا الشهر، قد قال في الإعلام عن المهاجرين إلى القارة العجوز كلاماً مهماً، ومما قاله أن على الأوروبيين أن ينتبهوا إلى أن كل مهاجر إليهم هو ثروة في الأساس، وأن الذين يقصدون أوروبا لا يقصدونها فارغي الأيدي، وإنما لديهم ما يستطيعون أن يقدموه، لو أن صنّاع القرار في القارة نظروا إليهم من فوق هذه الأرضية.

وهذا كلام مهم، لأنه ينبه إلى أن المهاجر إذا كان صاحب فم يحتاج إلى طعام، وإذا كان هناك خوف من أن يزاحم فمه فم المواطن الأوروبي في طعامه، فهذا المهاجر صاحب يد يمكنها في الوقت نفسه أن تعمل وتنتج، وصاحب عقل بمقدوره أن يفكر.

ولو أن القادة الأوروبيين الذين عقدوا قمتهم في الثاني والعشرين من هذا الشهر آمنوا بهذه الرؤية التي يتبناها أديب نوبل، ما كانوا قد انقسموا في اجتماعهم، وما كانت دول شرق القارة قد توجست، ثم رأت شيئاً يقلقها في مواجهة الهجرة كظاهرة، وما كانت دول الشمال الأوروبي قد رأت شيئاً مختلفاً عما تراه دول الشرق، وما كانت دول الجنوب قد راحت ترى شيئاً ثالثاً.

والمشكلة التي سوف تواجه القادة في أوروبا منذ اليوم، أو بمعنى أدق منذ القمة الأخيرة، أنهم لن يجدوا بينهم عقلاً في رجاحة عقل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

هذه القمة هي آخر قمة تحضرها ميركل، بعد أن جرت الانتخابات في بلادها في السادس والعشرين من الشهر الماضي، وبعد أن امتنعت هي عن خوض السباق، وأعلنت مسبقاً أن خوض السباق أربع مرات يكفي جداً، وأنها لا تجد لديها الجديد الذي تقدمه.

هذه هي قمتها الأخيرة بين القادة في قارتها، اللهم إلا إذا عجزت الأحزاب الفائزة عن تشكيل حكومة لفترة طويلة، وكان على ميركل بالتالي أن تواصل إدارة الأمور في البلاد، إلى أن تتشكل حكومة جديدة تكون قادرة على أن تتولى قيادة الألمان.. وربما شعوب القارة من وراء الألمان.

عاشت المستشارة المنتهية ولايتها تؤمن في قضية المهاجرين إلى بلادها بشيء قريب مما يؤمن به جورنة، وكانت الوحيدة في أوروبا التي لا ترى في المهاجرين شراً خالصاً كما يراهم الكثير من الزعماء الأوروبيين؛ لذلك أحبها المهاجرون وحزنوا لرحيلها عن المنصب، وبعضهم أطلق اسمها على المواليد الجدد امتناناً بما قدمته لهم وبما بادرت به في استقبال كل مهاجر.

وسوف يعيش المهاجرون على أمل أن يكون المستشار المقبل قريباً من ميركل في أفكارها، أو على الأقل ينصت إلى ما يراه أديب نوبل التنزاني.

soliman.gouda@gmail.com

عن الكاتب: