كوكب بلا بشر

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

يتخبط قادة العالم في إيجاد آليات تنفيذية حقيقية لإنقاذ كوكب الأرض من التغير المناخي والاحتباس الحراري بشكل جماعي، في وقت يبدو فيه العالم يئن تحت كوارث بيئية تهدد البشرية ككل، ويقف عاجزاً أمام تحديات وحروب عجزت القوى الكبرى عن إخمادها لأنها جزء من المشكلة وليست حلاً.
 الوضع الدولي بتركيبته الحالية وغياب القادة التاريخيين القادرين على الفعل وحسم القضايا وتعدد المرجعيات السياسية والاقتصادية والنفور في العلاقات الدولية خاصة بين الدول الكبرى يجعل مستقبل الأجيال المقبلة ولكوكب الأرض مخيفاً. 
 صحيح أن قمة جلاسكو الحالية تحاول إيجاد طرق للتعاون الدولي الجماعي لوقف الانبعاث الكربوني الذي يهدد البشرية، إلا أن المبادرات ما زالت بعيدة عن العمل الدولي المشترك لأن دولاً مهمة مثل روسيا والصين لم تشارك على مستوى القمة في جلاسكو، ولأن بعض المبادرات كانت إقليمية كالتوافق البريطاني الاسكندنافي على تخصيص 130 مليار دولار للطاقة النظيفة، كما أن حالة التضليل التي تشنها الشركات الكبرى لإنكار الآثار البيئية لهذه الشركات في الانبعاث الكربوني وصرفها الأموال لبث الأخبار الكاذبة حول هذه القضية تكشف مدى التقصير الدولي في تناول قضية المناخ بجدية ونوايا صادقة. 
ويكفي للدلالة على ذلك أن قمة العشرين الأخيرة التي سبقت قمة المناخ عجزت عن توفير مئة مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة في الحد من آثار الانبعاث الكربوني، مع العلم أن الدول الكبرى وهي أوروبا والصين والولايات المتحدة والهند وروسيا هي التي تساهم بنسبة ثمانين في المئة من الانبعاث الكربوني. وقد فشل العالم في تحقيق المتفق عليه عام 2015 في قمة باريس بتخفيض ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل 1.5 في المئة، لكن الأمم المتحدة تقول الآن إن الوضع على ما هو عليه سيرفع درجة الحرارة إلى 2.7، وهو وضع كارثي يدمر البيئة ويرفع مستوى البحار ويغرق مدناً ساحلية ويقلل من مساحة الغابات.
 الوضع السياسي الدولي هو المسؤول عن غياب العمل المشترك لإنقاذ البشرية. فالصراعات العسكرية ما زالت قائمة في كثير من البلدان، وقد عجزت الدول الكبرى عن إخمادها لأنها طرف فيها وتخدم مصالحها، كما أن النزاعات الاقتصادية أخذت تكتسب أبعاداً عسكرية كما يحدث الآن بين الصين والولايات المتحدة. وباتت صفقات تجارية عسكرية مصدراً لتعقيد العلاقات بين الدول، فصفقة الغواصات الفرنسية الملغاة من قبل أستراليا بضغط أمريكي سممت العلاقات بين باريس وواشنطن، كما أن صفقة صواريخ «اس 400» الروسية لتركيا أضافت مزيداً من التعقيدات على العلاقات بين أنقرة وواشنطن وبروكسل، فيما ستضيف صفقة الطائرات التركية المسيرة لأوكرانيا سبباً إضافياً لنقل العلاقة بين موسكو وأنقرة إلى وضع غير ودي. كما أن بقاء أزمة سد النهضة الإثيوبي دون حل سياسي بمشاركة دولية ينذر بكارثة لقارة إفريقيا على المستوى البيئي والسياسي.
 محصلة القول، إن قادة العالم خاصة قادة الدول الكبرى هم الحل لأنهم سبب المشكلة التي تهدد البشرية بكارثة، وقد لمسنا العجز الدولي في مواجهة جائحة كورونا؛ حيث استطابت الدول الكبرى الجائحة وصرفت تريليونات من الدولارات لدعم مواطنيها بينما لم تصرف بضعة مليارات لمواجهة الكارثة البيئية، وحولت الشركات الكبرى اللقاحات إلى سلعة في مزاد علني يشتريها من يدفع أكثر. وبهذا المنطق غير المسؤول لم يتم القضاء على الجائحة. وبالمنطق نفسه يتعامل قادة كثير من الدول والشركات المستفيدة من الصناعات غير الصديقة للبيئة مع التغير المناخي وكأنهم يحفرون قبراً للبشرية مصداقاً لقوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"