تحولات المشهد السياسي العراقي

00:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

عاش العراق أسبوعاً عصيباً مفعماً بالأحداث الدامية. تجاوزت حدود الصراع حول نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بين الفائزين في هذه الانتخابات، وبين جماعات الخاسرين من الكتل والأحزاب والميليشيات الرافضة لتلك النتائج، والتي طرحت بدورها سيناريوهات متشددة، مستخدمة لغة القوة، لفرض الإجبار خارج نطاق القانون، وتغيير النتائج على النحو الذي تريده، أو إلغائها كلية أملاً في إجراء انتخابات جديدة في موعد لاحق.

وإذا كانت الأحزاب والكتل الخاسرة قد اختارت التصعيد والتهديد لفرض ما تريد، ودفعت بحشودها الشعبية لمحاصرة المنطقة الخضراء التي تضم المباني الحكومية ومفوضية الانتخابات والسفارات الأجنبية، في الوقت الذي تحركت فيه رموزها ضمن خيار عقد الصفقات لتشكيل الكتلة الكبرى داخل البرلمان التي يحق لها تشكيل الحكومة، فإن الفائزين في الانتخابات كانت لهم أيضاً مبادرات للخروج بالعراق من مأزقه الجديد وانسداد الأفق السياسي،خاصة بعد أن حسمت المرجعية الشيعية العليا ممثلة بالسيد على السيستاني عزوفها عن أي تورط بخصوص تلميحات تشكيل «الكتلة الكبرى» ورفضها الانحياز لأي طرف، ودحض تسريبات كاذبة للخاسرين تقول إن «المرجعية لا تؤيد عودة الرئاسات الثلاث: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب»، ما يعني أنها أقرب إلى أطروحات الخاسرين.

المبادرة الأولى،جاءت من جانب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري بالتحرك من أجل تشكيل «الكتلة الكبرى» من الفائزين، ومن ثم الأخذ بخيار تكوين «حكومة أغلبية سياسية»، ووضع نهاية لخيار «اقتسام السلطة والمحاصصة»، وكان هذا معناه اعتراف قوي بنتائج الانتخابات، وتوظيف هذه النتائج للقضاء على نظام المحاصصة السياسية، وإجبار الخاسرين على التحول إلى المعارضة داخل البرلمان.

أما المبادرة الثانية، فجاءت من الفائزين المستقلين الذين أعلنوا تشكيل ما أسموه ب «الكتلة الشعبية المستقلة» في خطوة هي الأولى من نوعها في عمل المؤسسة التشريعية منذ انطلاق أول جمعية وطنية (البرلمان) عام 2004. وكان أكثر من 30 مرشحاً مستقلاً قد فازوا في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى 9 مرشحين آخرين ينتمون إلى «حركة امتداد» التي هي واحدة من تشكيلات انبثقت عن الحراك الشعبي لعام 2019 الداعي إلى تغيير النظام وإسقاط الطبقة الحاكمة وإنهاء المحاصصة السياسية.

الكتلة الجديدة أصدرت بياناً أعلنت فيه عن نفسها واختارت منسقاً عاماً هو محمود عنوز (محافظة النجف) ومتحدثاً رسمياً هو سجاد سالم (محافظة واسط)، وقالت إنها «كتلة نيابية منفتحة على المرشحين الفائزين، بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي»، وأنها «تتبنى خيار دولة المواطنة وتنبذ نهج المحاصصة وتقوم بمهام الرقابة الفعالة والتشريع الرصين، وتكافح الفساد المالي والإداري، وتدافع عن حقوق المواطنين في الثروة الوطنية وتحافظ على القرار الوطني المستقل».

كان يمكن أن تستمر هذه التطورات انتظاراً لصدور القرار النهائي لمفوضية الانتخابات بخصوص ما قامت به من عمليات إعادة فرز وإنهاء هذه العملية، استعداداً لإعلان النتائج النهائية، لكن خطر التصعيد من حشود الخاسرين كان يتهدد كل الطموحات وهذا ما حدث بالفعل، عندما طالبت اللجنة التحضيرية للتظاهرات والاعتصامات الرافضة لنتائج الانتخابات أنصارها في المحافظات كافة بالخروج في تظاهرات سلمية تحت عنوان: «جمعة الفرصة الأخيرة»، وكان ما كان يوم الجمعة الفائت الذي تحول إلى «جمعة دامية» من خلال الاشتباكات التي وقعت بين المحتشدين في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد وقوات الأمن التي سقط خلالها قتيلان، وأصيب أكثر من مئة شخص بينهم عدد من رجال الأمن.

لم تفلح محاولات التهدئة التي قامت بها الحكومة التي توعدت المتورطين بالمحاسبة، عبر بيان أصدرته بهذا الخصوص، بسبب تعمد قادة الميليشيات الرافضة اعتماد خطاب التهديد وتحميل مصطفى الكاظمي مسؤولية أحداث الجمعة الدامية، وتهديده بالحرمان من ولاية ثانية لرئاسة الحكومة على نحو ما جاء على لسان أبو آلاء الولائي أمين عام «كتائب سيد الشهداء».

كان واضحاً أن الجناح الخاسر للانتخابات مدعوماً بالميليشيات الموالية، خاصة القريبة من إيران يحاول قلب الأحداث لصالحه وتوظيف أحداث الجمعة الدامية لفرض خياراته ومطالبه وبالذات إفشال اعتماد نتائج الانتخابات والقصاص من شخص الكاظمي وممن يدعمونه، إلى أن وقع الحادث الجلل داخل منزله بالمنطقة الخضراء فجر الأحد الفائت (7 /11 /2021) الذي تعرض لهجوم من 3 مسيرات جرى إسقاط اثنتين ونجحت الثالثة في قصف منزل الكاظمي.

تطور جديد وخطير من شأنه أن يقلب كل الموازين، وأن يضع علامات استفهام كبرى أمام فرص العراق للانعتاق من أزماته، خصوصاً في ظل تضارب الاجتهادات وتحميل المسؤوليات، قبل أن تظهر نتائج التحقيق في محاولة الاغتيال الفاشلة، بين من يتهمون فصائل من الحشد بمسؤولية محاولة الاغتيال بدعم من إيران، ومن يتهمون الكاظمي وحكومته وأعوانه بتدبير الحادث، لفرض نتائج الانتخابات وتجديد ولاية الكاظمي، ومن يتهمون الولايات المتحدة بالهجوم للقضاء على الحشد الشعبي، ضمن صراعها الممتد مع إيران.

اتهامات غير مؤكدة تفاقم من تحولات المشهد السياسي في العراق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"