مرايا الروح

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

قمة السعادة، قمة النجاح، متى تصل إليها؟ حين تهديك الحياة مرآة جديدة ترى نفسك فيها، هي ليست أنت، وليست بالضرورة تشبهك، لكنك بدون أي شك ترى نفسك فيها، تكبر بها ومعها كل يوم.
حين تصبح مرآتك هي إنسان آخر وليست مجرد بلّور يبرق بلا نبض ولا حياة، كائن يتحرك، يمسك بيدك، يقفل أغلال قبضتيه على زندك كي يشعر بالأمان، يناديك كي يطمئن قلبه كلما تردد صدى اسمك في أعماقه.. ترى طفولتك أمام عينيك، تنشط الذكريات، صور ومواقف وكلمات وحكايات تأتي من بعيد، من زمن كنت أنت فيه مرآة لإنسان آخر.
تستعيد لمحات حسبتها ذهبت مع الأيام وتراكمت فوقها القصص والهموم ولهاث العمر فتلاشت، فجأة تعبر أمامك كأنها مشهد من فيلم. مواقف تقول لك هذا أنت، هكذا كنت، هذا ما فعلت وقلت.. وكأنك مجموعة أوراق مدوّنة بحبر الحياة لا تسقط منها ورقة ولا سطر ولا حرف، سلسلة مترابطة مربوطة بحبال لا تنقطع.. سلسلة يستكملها الآتي، ولا يمحوها زمن ولا بشر. 
تكثر مراياك، يكبر فرحك. هل يعقل أن تكون أنت بكل هذا الجمال؟ كيف تحبها أكثر مما أحببت نفسك يوماً؟ هل تحب نفسك فيها أم تتباهى لأنها تحمل بعضاً منك، أم ترى فيها الحلم الذي تحقق وأحلاماً أخرى تأجلت وعجزت عن تحقيقها بنفسك فنقلتها إلى تلك المرايا وفي داخلك رغبة بل إصرار على أن ترى النور في من تراه مستقبلك؟! وكأنك مقسوم بين زمنين، أنت الماضي فيه وهو المستقبل، مع أنك ما زلت تعيش وتخطط وتقرر وتنفذ، إنما ترى الحلم لغيرك والمستقبل لهم. 
الحياة تهديك مرايا الروح، تتشكل من حب، من مشاعر كثيرة متصارعة، من تفاهم وانسجام وهموم واختلاف.. كل مرآة ترى فيها روحك، لكنها في الحقيقة ليست أنت، بل امتداد يكمل مسيرة الحياة. كل مرآة هي الحلم الذي عاشه أبواك ثم عشته أنت وسيعيشه ابنك وابنتك. هذا الكائن الذي يحمل مزاياك وسيئاتك.. ملامحك وأحلامك، هو المرآة الحية التي ترى فيها نفسك منذ أن صرت أباً (أو صرتِ أماً)، تخاف عليها من أي خدش أو انكسار، من قال إنها هي فقط التي تلف ذراعك وتقبض عليه بحثاً عن الأمان، فأنت تدعي القوة بينما تمسك بها وتشد، وتحتضن وتربت، لأنك تحتاج إلى هذا الدفء وهذا الحضن كي تستمد منه القوة والأمل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"