يبادلون الخير بالقتل

01:45 صباحا
قراءة دقيقتين

خيّل إليك أن كل المتطوعين أينما كانوا حول العالم، وأياً كانت المهمة والجهة التي يلتحقون بها، يتحلّون بنفس المواصفات، يتشابهون بالروح الإنسانية، وحب العطاء وخدمة الآخر والمساعدة، دون انتظار مقابل، والتفاؤل ورفض التمييز والعنصرية.. هؤلاء الذين يحملون حقائبهم ويسافرون، لتلبية كل نداء إنساني، يواجهون الخطر ويتعرضون للعنف والقتل، ويستشهدون في سبيل خدمة الإنسانية وعن قناعة تامة بالوقوف، بجانب كل مستضعف أو مقهور أو مشرد أو مصاب وكل الأبرياء الذين يعانون الحروب.

نتحدث عن المتطوعين، ونتأمل قدسية رسالتهم وما يقدمونه من تضحيات، بعد أن صعقنا بمقتل سبعة متطوعين جاؤوا من عدة دول، من أستراليا، وبريطانيا، وبولندا، وأحدهم أمريكي- كندي، ومن فلسطين نفسها، إلى قطاع غزة، فلقوا حتفهم بضربة جوية إسرائيلية في قطاع غزة، ماذا فعلوا ليستحقوا هكذا مصير؟ هؤلاء التابعين لمنظمة «وورلد سنترال كيتشن» أو «المطبخ المركزي العالمي» غير الحكومية، استقلوا سيارتين مدرعتين ضمن قافلة تحركت من أجل تفريغ أكثر من 100 طن من المساعدات الغذائية الإنسانية، ضمن عمليات الإغاثة، والتي يتم فيها توزيع وجبات غذائية على سكان القطاع المهدد بالمجاعة؛ ولم يخطر ببالهم ولا ببال أحد أن يدخلهم أي طرف ضمن حسابات الصراع، وضمهم إلى قوافل الشهداء الطويلة!.

تقول الإحصاءات إن أكثر من 196 عاملاً من عمال الإغاثة في غزة قتلوا منذ أكتوبر/تشرين الأول، غالبيتهم يعملون لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والأمر ليس محصوراً في غزة ولا في فلسطين فقط، بل في كل بقعة تعيش نزاعات وحروباً، تجد قائمة بأسماء متطوعين عملوا من أجل إحلال السلام ومساعدة الأبرياء، فردت عليهم القوى الغاشمة بالقتل، وكأنهم ارتكبوا ذنباً بمجيئهم للقيام بأعمال الإغاثة.

في قلوبهم محبة، وبأيديهم يزرعون سلاماً، وعلى وجوههم يرسمون ابتسامة تتصدى لكل غضب، وكل دمار وكل سواد يواجهونه في كل عملية إنسانية نبيلة يقومون بها؛ سماحتهم وحسن نواياهم وإنسانيتهم تعرّي كل أعداء السلام والإنسانية، تستفزهم فينفجرون غضباً، ويبادلون العمل الخيّر بالجريمة والقتل والعنف غير المبرر.

كل المتطوعين سفراء سلام، ومن يقتلهم إنما يقتل النوايا الحسنة، ولا يعترف بقيمة ومعنى وأهمية العمل الإنساني.. كل المتطوعين سفراء الخير على الأرض، وسفراء العطاء والتضحية بكل شيء والتفاني في سبيل خدمة الإنسان والدفاع عن حقه في العيش بأمان، أياً كانت هويته وأياً كان موطنه وموقعه.

كلهم يضعون أرواحهم على أكفّهم، ويتخلون عن أهل وأسرة وبيت ووظيفة واستقرار، سعياً وراء العمل الخيري والإنساني، وفي سبيل خدمة القضية الأهم في نظرهم «كرامة وحياة الإنسان».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5adxv6pp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"