اللاجئون.. كرة النار المتدحرجة

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

الزلزال الذي ضرب أكثر من دولة عربية قبل عقد من الزمن فيما سمي ب«الربيع العربي»، ما زالت توابعه تتوالي، حتى باتت كأنها كرة نار تتدحرج من مكان إلى آخر، منذرة بأزمات دولية كثيرة، وعلى مساحات جغرافية واسعة.

 أما أهم أسباب توالد الأزمات التي خلفها «الربيع العربي» فهي مشكلة ملايين اللاجئين الذين أجبرتهم الصراعات المسلحة في بلدانهم على الهروب منها، باتجاه الدول الأوروبية، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي، حيث باتت هذه المشكلة أشبه بالصاعق، الذي يهدد بتفجير أزمات أخرى، وفي أكثر من مكان، وآخر هذه الأزمات تلك الأزمة التي شهدتها مؤخراً الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، مع محاولات آلاف اللاجئين السوريين والعراقيين والصوماليين والأفغان العبور إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما تصدت له الحكومة البولندية التي نشرت قوات إضافية على حدودها مع بيلاروسيا، متهمة مينسك بافتعال هذه الأزمة، ومحذرة من تحول التوتر بين البلدين إلى نزاع مسلح، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل العام 2015.

 وعلى الرغم من أن عنوان الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا هو قضية اللاجئين، إلا أن أحداً لا يستطيع إنكار استغلال مأساة اللاجئين كأوراق ضغط يستخدمها البعض لتنفيذ أجندات أخرى، وتصفية حسابات، وأن زج مشكلة إنسانية في الشؤون السياسية بين الدول هو أمر لا أخلاقي أولاً، كما أنه غير قانوني.

 واتهامات بولندا والاتحاد الأوروبي لبيلاروسيا بالمسؤولية عن الأزمة الجديدة لا تبتعد كثيراً عن استغلال هذه القضية الإنسانية، لتصفية حسابات بين روسيا الحليف الأقرب لبيلاروسيا والدول الأوروبية، وحلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي يسعى إلى التغلغل في المناطق القريبة من روسيا، وهو أمر تنظر إليه روسيا بقلق وريبة مبررين، لا سيما مع نفي وزارة الدفاع البلاروسية بشدة للاتهامات البولندية بأن مينسك كانت وراء الأزمة بين البلدين.

 كما أن الرئيس البيلاروسي إلكسندر لوكاشينكو الذي لم يتردد في الإعلان عن مساعدة بلاده للاجئين، وهو أمر مشروع، نفى في الوقت ذاته أن تكون مينسك قد وجهت الدعوة لهؤلاء اللاجئين، مؤكداً أن بلاده لن تحتجز لاجئين على الحدود، وأنه لا يريد أن يسلك هؤلاء طريقهم عبر بيلاروسيا، فيما اتهم الاتحاد الأوروبي مينسك بدفع اللاجئين إلى حدوده الشرقية من أجل تقويض الأمن، وهي التهمة التي تنفيها الجمهورية السوفييتية السابقة.

 وهنا لا بد من التذكير بموقف الاتحاد الأوروبي الذي يشكك أصلاً في شرعية الرئيس البيلاروسي إلكسندر لوكاشينكو، بل ويفرض عقوبات على بلاده، قبل اندلاع هذه الأزمة، ويهدد بمضاعفتها.

 وما يجب الإشارة إليه هنا هو أنه مهما كانت المبررات التي تسوقها بولندا ودول الاتحاد الأوروبي من ورائها، لمنع اللاجئين من الدخول إلى أراضيها، فإن المفوضية العليا للاجئين أكدت وتؤكد باستمرار أن إغلاق الحدود في أوروبا لوقف المهاجرين أمر غير إنساني.

 كما لا يفوتنا الإشارة أيضاً إلى أن هؤلاء اللاجئين ليسوا ضحايا العنف والصراعات التي تدور في بلدانهم فحسب، وإنما للعصابات الإجرامية التي تتاجر بآلامهم دور، وهي تبتزهم بشراسة بحجة تهريبهم إلى الدول الأوروبية، ليقعوا بين مطرقة العنف في بلدانهم، وسندان تلك العصابات التي تقوم بتهريبهم مقابل أموال طائلة، قبل أن تلقي بهم في العراء، كما هو الحال في قصة فرهاد نابو، وهو سوري من مدينة عين العرب الذي قُتل مؤخراً خلال ملاحقة الشرطة البولندية للسيارة التي كان يستقلها إلى جانب مهرب للبشر وركاب سوريين ثلاثة، بعد أن دفعوا الآلاف مقابل نقلهم إلى ألمانيا.

 وتظهر الخلفية الحقيقية للأزمة بين بولندا وبيلاروسيا واضحة في تصريحات لماتيوش مورافيتسكي، وهو سياسي بولندي يناهض النظام الشيوعي السابق ببلاده، والتي قال فيها: «إن رئيس بيلاروسيا، الحليف المقرب من بوتين، يدير الأزمة لكن العقل المدبر في موسكو».

من كل ما تقدم يمكن القول أن أزمة اللاجئين باتت أزمة عالمية، تتنقل من مكان إلى آخر، وأن أزمة الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، لن تكون الأخيرة في ظل استمرار الصراعات المسلحة في العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، وأن على العالم أن يتعامل معها باعتبارها قضية إنسانية، وفي إطار القانون الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف للاجئين في عام 1951 التي تحظر الترحيل الجماعي، وما يسمى الإعادة القسرية للاجئين إلى دول قد يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"