التصالح مع «كوفيد»

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

في البداية فكرتُ أن أستخدم مفردة «التعايش» بدلاً من «التصالح»، في وصف علاقتنا الراهنة، كبشر، مع فيروس «كوفيد-19» القاتل، لكني سرعان ما أعدت النظر في ذلك وآثرت مفردة التصالح على التعايش، وثمة فرق بين المفردتين حين يدور الحديث عن طرقنا أو وسائلنا في التصدي للوباء.
فعلياً، نحن في حالة تعايش مع «كوفيد-19»، على الأقل منذ اكتشاف اللقاحات المضادة للفيروس المتسبب فيه، والبدء في تعميمه على مختلف البلدان، بنسب متفاوتة، تنم عن الكثير من أوجه غياب العدالة في عالمنا، أي أن الفيروس بقي حاضراً وقابلاً للانتشار كلما تيسر له ذلك، جنباً إلى جنب مع وجود اللقاحات واتساع قاعدة متلقيها، وكذلك القابلين بها مقارنة بما كان عليه الحال قبل عام من الآن مثلاً.
ولكن هذا «التعايش» بين الفيروس واللقاحات المضادة له ظلّ محكوماً بنظرة تفاؤلية فحواها أن العالم سائر، عبر هذه اللقاحات بالذات، نحو قهر الفيروس واجتثاثه من الوجود بعد حين، قد لا يطول، فالمسألة، كما تصورناها ليست أكثر من مسألة وقت.
الموجة الجديدة من الإصابات بالوباء، التي يطلق عليها الموجة الخامسة، في أوروبا خاصة، طرحت هذا الاعتقاد على المحك. فالفيروس يتفشى في بلدان بلغت نسبة من تلقوا اللقاح من سكانها نحو 70% أو أكثر، ولم يستثن الفيروس الكثيرين ممن تلقوا جرعتي اللقاح، ما يطرح على بساط البحث ليس أهليّة هذه اللقاحات، فالتقارير الطبية تؤكد أن إصابات متلقي اللقاح تكون ضعيفة وغير قاتلة في الغالب، وإنما تطرح للنقاش السؤال الصعب التالي: هل الوباء سائر نحو الفناء، أم علينا ليس فقط «التعايش» معه وإنما التصالح معه؟
مواجهة العالم ل «كوفيد-19» كانت حرباً، حتى لو لم تستخدم فيها الأسلحة، وليست كل الحروب تنتهي بهزيمة جيش وانتصار جيش آخر، فقد تستمر الحروب طويلاً دون أن ترجح فيها كفة أحد فريقيها، ويقتنع الطرفان المتحاربان، بعد حين قد يطول، بأن لا سبيل لأحدهما في هزيمة الآخر، فيلجآن إلى إبرام صلح بينهما على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، أو شيء من هذا القبيل.
رغم ما أوقعه «كوفيد-19» من خسائر فادحة في بني البشر، إلا أنه تلقى منهم هزائم أيضاً، أولاً عبر التدابير الاحترازية التي اتخذوها، وهي بمثابة حيلة لمنع تغوّله عليهم، وثانياً وهو الأهم باكتشاف اللقاحات المضادة له، التي حدّت، ولو مرحلياً، من انتشاره، وأضعفت قدراته المميتة، ولكن الأمر لم يبلغ حدّ هزيمته والقضاء عليه.
لا هو هزمنا تماماً، ولا نحن هزمناه تماماً. علينا إذن أن «نتصالح» معه، والتصالح كما تعلمون ليس الاستسلام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"