نهب ذاكرة الأمة في ظل الفتن

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

استعادت إثيوبيا قبل أيام بعد جهود طويلة بعض كنوزها الدينية والتاريخية المنهوبة من بريطانيا وهي ذات دلالات تاريخية ودينية، لكنها تطالب بالمزيد من الكنوز بينها تابوت العهد- وصايا النبي موسى عليه السلام وفقاً للكتب الدينية القديمة.

وأعلنت إثيوبيا عودة مجموعة من الكنوز القديمة إلى أراضيها من المملكة المتحدة وبلجيكا وهولندا كان نهبها جنود بريطانيون في القرن التاسع عشر. وتتضمن المجموعة تاجاً احتفالياً ودرعاً إمبراطورية ومجموعة من أكواب فضية وكتاب صلاة مخطوطاً بخط اليد ومجوهرات متنوعة. ونُهبت معظم هذه القطع على أيدي الجيش البريطاني خلال انتصاره على الإمبراطور الحبشي تيودروس الثاني في معركة ماجدالا عام 1868.

وتواصل أديس أبابا مطالبة لندن بإعادة عدد من القطع الأخرى، بينها ألواح مقدسة من الحجر والخشب التي تصور تابوت العهد، وهو الصندوق يقال إنه يحوي الوصايا العشر التي أُعطيت لموسى على جبل سيناء. كما تجري الدولة الإفريقية مفاوضات بشأن إعادة إنجيل وصليب من المقرر أن يكونا موضوع مزاد في الولايات المتحدة.

إثيوبيا الدولة الفقيرة نجحت في استعادة بعض آثارها ونجحت مصر في استعادة بعض آثارها المنهوبة على مر التاريخ، لكن من يتجول في المكتبات الأثرية والمتاحف الأوروبية يفاجأ عادة بحجم الآثار المعروضة التي سرقت من البلاد العربية على مر القرون الماضية، خاصة إبان الاستعمار المتنوع من البرتغالي إلى الإسباني إلى التركي والبريطاني ثم الإيطالي فالفرنسي.

ويتداول البحاثة أن سرقة الآثار الفلسطينية بدأت إبان الحروب الصليبية، ثم عندما تحالف الألمان مع الأتراك في نهاية القرن الثامن عشر حيث وصل إلى فلسطين فريق تنقيب ألماني وأجرى تنقيباً عن الآثار في مدينة سبسطية قرب نابلس، واستعان بمرشدين قرويين لإرشادهم عن آثارها ومبانيها، لكن بعد العثور على آثار قيمة وكنوز كان الألمان يعدمون المرشدين حتى لا يعلم أحد عن أسرار ما وجدوه من كنوز.

واشتهر بعد ذلك علم الآثار في الانتداب البريطاني، حيث استحوذ الإنجليز على كنوز ومخطوطات تاريخية من فلسطين. وكان موشيه دايان وزير الحرب الأسبق أبرز المنقبين عن الآثار في فلسطين وسيناء واختزن الكثير منها. وكانت مخطوطات قمران الحدث الأبرز لكن نقل بعضها إلى الولايات المتحدة ثم تواصل البحث عن بقية المخطوطات بعد حرب 1948، حيث عثر على المزيد ووضعت في المتحف الفلسطيني في القدس واستولى الإسرائيليون عليها بعد عدوان 1967 وأخفوا بعضها رغم مطالبة الأردن المتواصلة باستعادتها.

عند الكشف عن بعض المخطوطات تبين أنها مزورة، وما زالت إسرائيل تحتفظ بمخطوطات لا تريد الكشف عنها لأنها تتنافى مع سردية التاريخ اليهودي، فهي مكتوبة بالآرامية وبعضها بالإغريقية.

وقد شاهدنا بأم عيوننا كيف جرى نهب وتدمير الآثار العراقية بعد الغزو الامريكي وتولت جماعة «داعش» أيضاً النهب والتدمير في العراق وسوريا. وحتى الآن لم تستعد سوريا أياً من آثارها المنهوبة، في حين تمكن العراق من استعادة بعض المنهوبات من الجنود الأمريكيين، لكن ما نهبه غيرهم قد عبر الحدود الى خزائن هواة جمع الآثار وبعض المتاحف في أوروبا وأمريكا. كما أن كلاً من ليبيا والسودان فقدت الكثير من الكنوز الأثرية، حيث إن أغلب آثار وكنوز ملكة كوش النوبية موجود في المتاحف الغربية، بينما عمد لصوص الآثار الى صهر مقتنيات ملوك كوش الذهبية. وفي ليبيا نشط لصوص الآثار في التنقيب تحت غطاء الحرب الأهلية ونشط تجار عبر الحدود في تهريبها إلى الخارج، وكذلك في اليمن حيث عثر على مومياء محنطة تركها اللصوص في مكانها بحالة جيدة بعد أن سرقوا مقتنياتها القيمة، ما يؤكد أن التحنيط كان معروفاً في اليمن وليس في مصر وحدها. فالأمة تفقد تاريخها وجغرافيتها منذ عقود، وأخيراً تفقد ذاكرتها.

فهل ستبقى أمتنا العربية على هذا الحال معرضة للنهب والسرقة، وتاريخها المنهوب ضائع بين تجار الآثار والمتاحف الغربية؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"