علاقات الصين بجوارها في 2022

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

هناك ملفان أساسيان يشغلان الساحة الدولية بشكل مستمر منذ أكثر من سنتين، علاوة على مسائل أخرى متصلة بالولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط. يتعلق الملف الأول الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، بجائحة كورونا التي ما زالت تنتقل من متحوِّر إلى آخر. ويرتبط الملف الثاني بالصين وقفزاتها الاقتصادية التي تقضّ مضاجع الغرب، وبصراعاتها المتواصلة مع جوارها الإقليمي، سواء تعلق الأمر بخلافاتها مع الهند واليابان وأستراليا أو بموضوع السيادة على تايوان والتي أضحت تمثل الرهان الأبرز في المنافسة بين بكين وواشنطن.

ومن غرائب الصدف أن الملفين لهما علاقة وثيقة بالصين، فالجائحة غزت العالم انطلاقاً من مقاطعة يوهان الصينية، كما أن المحيط الجيوسياسي للصين يشغل بال الخبراء وصناع القرار في كل عواصم القوى الكبرى.

وإذا كان ملف الجائحة قد تحوّل إلى معضلة صحية كونية، فإن علاقات الصين بجوارها الإقليمي ستكون بمثابة الملف الأكثر سخونة في العلاقات الدولية خلال سنة 2022، لاسيما بعد الأحلاف التي بدأت تتشكل في شرق آسيا، من أجل محاصرة الصين ومنعها من بسط هيمنتها على محيطها وعلى العالم خلال العقدين المقبلين. وتشير تقارير الخبراء الغربيين في هذا السياق، إلى أن السلطات الحاكمة في بكين، تعمل على التأثير في الرأي العام المحلي من خلال الترويج للنجاحات التي حققتها الصين مع التركيز، في اللحظة نفسها، على حالة الفوضى التي يشهدها العالم الغربي، وتسعى في السياق نفسه، إلى حشد رأيها العام حول المشروع المتعلق بترسيخ النزعة القومية للشعب الصيني، ودفعه إلى الاصطفاف خلف الحزب الشيوعي من أجل استعادة تايوان.

كما تشير التقارير الغربية إلى أن حديث بكين عن التزامها بالسلم يظل خطاباً أجوف، بالنظر إلى استمرارها في تطوير أسلحتها وفي نشر معداتها العسكرية على حدودها مع جيرانها، واختراقها المتواصل للمجال الجوي لتايوان، فضلاً عن تلويحها بإمكانية إعادتها بالقوة إلى السيادة الصينية، بيد أنه على الرغم من هذا التوتر المتصاعد مع تايوان، فإنه من الصعوبة بمكان، توقع قيام الصين بأي عمل عسكري خلال سنة 2022، لأسباب عديدة تتعلق بالتوازنات الدولية الراهنة من جهة، وبعدم رغبة بكين في استخدام القوة العسكرية ضد مواطنيها في تايوان، خاصة أن أجندتها المتعلقة بمسار توحيد الدولة مازال أمامها متسع من الوقت لكي تتجسد على أرض الواقع، قبل الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

لقد أضحى من المعروف بالنسبة للدول الغربية أن الصين تحاول منذ أكثر من ثلاثة عقود، أن توفّق بين طرفي معادلة في غاية التعقيد، فهي تعمل في الجانب الأول على تطوير صناعاتها المدنية والعسكرية وقدراتها التكنولوجية من أجل المحافظة على التوازنات الحالية على المستويين الإقليمي والدولي، وتبذل قصارى جهدها في الجانب الثاني من أجل كسب ثقة الدول المحيطة بها، المتخوِّفة من تنامي قوتها؛ الأمر الذي يدفع هذه الدول إلى التحالف مع واشنطن بغرض المحافظة على مصالحها الاستراتيجية.

وبالتالي، فإنه علاوة على الخلاف الحدودي التقليدي ما بين الصين والهند الذي من غير المنتظر أن يعرف تطورات لافتة خلال سنة 2022 لأسباب عديدة تتعلق بانشغال الهند بمواجهة الأوضاع المترتبة على سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، وتركيز الصين على مواجهة الضغوط الأمريكية، فإن الصين تبدي انشغالها بالتغيير الذي يحصل على مستوى عقيدة الجيش الياباني الذي بدأ بتطوير صناعته العسكرية لتجاوز تبعيته للتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، ومن المنتظر أن تشهد سنة 2022 مزيداً من التسابق على التسلح في شرق آسيا.

وعليه، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للصين على مستوى جوارها خلال سنة 2022، يكمن في مواجهة تبعات اتفاقية أوكوس التي ستسمح لأستراليا بتطوير قدراتها النووية لمواجهة بكين بالتنسيق مع الهند واليابان. ومن المستبعد في كل الأحوال، أن تحدث تطورات فجائية من شأنها أن تُعدِّل موازين القوى في المنطقة خلال سنة 2022.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"