عادي
مستقبل «بلوكتشين» أم طفرة إلى زوال؟

«ويب ثري».. فجر جديد للإنترنت

22:32 مساء
قراءة 6 دقائق

إعداد: هشام مدخنة

كثر الحديث مؤخراً عن كلمة رنانة تدور في فلك الإنترنت الأوسع، كلمة أقرب لأن تكون عالماً فتن بحيوّته أدوات التكنولوجيا والتشفير ورأس المال الاستثماري والمستثمرين من خلفهم. ولن تكون جاداً بشأن المستقبل إن لم تضفها بعد كنبذة تعريفية أو «bio» على صفحة «تويتر» الخاصة بك.

«ويب ثري» (ويب 3) Web3، مصطلح شامل أشبه بالمظلة التي تجمع تحتها أفكاراً متباينة تشير إلى إنهاء دور الوسطاء الكبار عبر الإنترنت، في زمن لم يعد التنقل الإلكتروني فيه منوطاً بتسجيل الدخول إلى «فيسبوك» أو «تويتر»، أو العم «جوجل» فقط.

دعونا نفكر في الأمر من زاوية شبيهة نعود فيها بالزمن قليلاً إلى الوراء، حين كانت صبغة «ويب 1.0» هي السائدة للأيام الوليدة الأولى للإنترنت في تسعينات القرن الماضي، عندما عُرف الويب على أنه طريقة مبتكرة لإضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى المعلومات، من دون وجود وسيلة أفضل للتنقل داخل الشبكة العنكبوتية بخلاف صفحة «ياهو جيوسيتيز» GeoCities الخاصة بصديقك، ولم تكن بذاك التنظيم.

ثم جاءت «ويب 2.0» بدءاً من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وظهرت معها منصات مثل «جوجل»، و«أمازون»، و«فيسبوك»، و«تويتر» إلى جانب منصات أخرى، سهّلت التواصل وإجراء المعاملات عبر الإنترنت، حتى اكتسبت هذه الشركات قوة هائلة مع مرور الوقت. واليوم حان دور «ويب ثري» للسيطرة على جزء من هذه القوة مجدداً.

وقال مات درايهرست، الباحث والمحاضر حول مستقبل الإنترنت في جامعة نيويورك: «هناك مجموعة صغيرة من الشركات تمتلك مقومات العصر الحديث عبر منصات نستخدمها اليوم ونساهم في نجاحها».

وعليه، فإن الإجابة الأقرب لتعريف مصطلح «ويب ثري» هي أنه عملية إعادة اختراع واستنساخ الإنترنت مع شبكات اجتماعية جديدة ومحركات بحث وأسواق لا تخضع لسيطرة زعامات التقنية، ويسير وفق تقنيات «لا مركزية» مبنية على نظام بات يُعرف ب«بلوكتشين» يدعم «بيتكوين» والعملات المشفرة الأخرى.

تخيل وجود محفظة كبيرة فيها الكثير من أجهزة الكمبيوتر والبيانات التي بإمكان أي شخص البحث فيها في وقت واحد، وتُدار من قبل المستخدمين بشكل جماعي لا من قبل شركة ما. محفظة يُمنح الأشخاص فيها «رموزاً مميزة» خاصة بهم يتم استخدامها للتصويت على القرارات والحصول على قيمة حقيقية.

لوقت ليس ببعيد، كانت فكرة إعادة اختراع الإنترنت بالكامل تشبه قصة المدينة الفاضلة الرقمية، إلى أن بزغ فجر «ويب ثري» ليقود محادثات ملهمة، ويولّد الكثير من الأموال لا سيما من مستثمري التشفير ورواده.

وقالت أولجا ماك، رائدة الأعمال ومحاضرة «بلوكتشين» في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: «بالنسبة إلى الشخص العادي، يبدو توليد الكهرباء وإنارة المصباح بمجرد ضغطة زر كالشعوذة، كما أنه غير مطالب بمعرفة آلية عمل الكهرباء لفهم الفوائد. والأمر ذاته ينطبق على تقنية بلوكتشين».

وبالتالي، يتحكم الأشخاص في عالم «ويب ثري» في بياناتهم الخاصة، ويتنقلون من وسائل التواصل الاجتماعي إلى البريد الإلكتروني إلى التسوق أونلاين باستخدام حساب شخصي واحد يقود إلى سجل عام على شبكة «بلوكتشين» يُدوّن كل هذا النشاط.

بعيداً عن عمالقة التقنية

تزامن ظهور عالم «ويب ثري» مع نشاط حركة الرموز المميزة غير القابلة للاستبدال، أو «NFTs»، وهي عبارة عن مقتنيات وملفات رقمية يمكن شراؤها وبيعها عبر الإنترنت باستخدام العملات المشفرة. وأقرّ درايهرست بأن محاولة شرح ماهية «ويب ثري» أمر محير، فهو مصطلح ذو تعريف غير محدد، ويأخذ شكلاً مختلفاً قليلاً اعتماداً على من يحدده، لكن هذا هو الحال مع جميع آفاق التكنولوجيا الحديثة.

وبالنسبة للتقنيين وخبراء التشفير، يظل «ويب ثري» رؤية نظرية كبرى ممتدة لسنوات، في وقت هيمن فيه التحول نحو مستقبل «البلوكتشين» على المؤتمرات الافتراضية ومحادثات وسائل التواصل الاجتماعي في دوائر معينة. حتى أجبرت هذه الرؤية شركات التكنولوجيا الكبرى على حشد فرق مخصصة للتعامل معها، وبدأت تكسب الزخم رويداً رويداً.

لكن الفارق الوحيد الذي يتمناه المتحمسون، ألا تكون كلمة «ويب ثري» وما تعنيه من مشاركة الصور والتواصل مع الأصدقاء وشراء الأشياء عبر الإنترنت مرادفاً يلتصق بعمالقة التقنية من جديد، بل أن تخلق خدماتها الفريدة منافسة شرعية وفقاً لتقنية بلوكتشين، حيث، على سبيل المثال، في كل مرة تنشر فيها رسالة أو محتوى، تكسب رمزاً مميزاً لمساهمتك، ما يمنحك ملكية في المنصة، ووسيلة مستقبلية للاستفادة منها. ونظرياً، يعني هذا تجنب الرسوم والشروط والأحكام التي تفرضها شركات التكنولوجيا. ومع ذلك، علينا ألا ننسى أن منصات التكنولوجيا الرئيسية عينها على الفكرة أيضاً.

بدورها، قالت إستر كروفورد، كبيرة مديري المشاريع في «تويتر»: «هذا يعني أنه أصبح بالإمكان مشاركة مجمل القيمة المتاحة للمنصة الرقمية بين مزيد من الأشخاص، وليس المالكين والمستثمرين والموظفين فقط».

وبينت كروفورد أن «تويتر» ترى المستقبل بشكل مختلف وتدرس طرقاً لدمج مفاهيم «ويب 3» في شبكتها الاجتماعية، كأن تتمكن يوماً ما من تسجيل الدخول والتغريد من حساب مرتبط بعملة مشفرة، وليس حساباً شخصياً، ولا يعني ذلك وجود نسخة مشفرة من «تويتر»، بل ميزات إضافية للنسخة القياسية.

- توافق مع «ميتافيرس»

أعاد موقع «فيسبوك» مؤخراً، تسمية نفسه باسم «ميتا»، مع أولوية بناء مجتمع «ميتافيرس»، مجتمع وصفه مارك زاكربيرج بالمستقبل الرقمي الذي يعيش فيه الجميع، ويتفاعلون ويعملون معاً في الواقع الافتراضي.

ومن بين المبادئ المعلنة لعملاق التواصل الاجتماعي كانت «قابلية التوافق التشغيلي القوية»، ما يعني أنه بإمكان المستخدمين نقل حساباتهم أو صورهم الرمزية من موقع إلى موقع، أو من خدمة إلى أخرى، بسلاسة، بدلاً من الاضطرار إلى تسجيل الدخول إلى حسابات تتحكم فيها شركات منفصلة في كل مرة يزورون فيها مواقع جديدة، وهذا يمثل أحد المثل العليا ل«ويب ثري».

لكن المؤمنين الحقيقيين بالثورة التقنية الجديدة هذه يقولون إنه لا مكان ل«فيسبوك» في عالم «ويب ثري»، بغض النظر عن محاولات الأولى لتكون جزءاً من الجيل القادم من الإنترنت.

المعيار الجديد أم خيال مبالغ؟

يقول الخبراء، إذا بقينا في النموذج الحالي، فسننتقل أكثر فأكثر إلى عالم تدير فيه مجموعة صغيرة من الشركات يقودها عدد قليل من الأفراد تجارب الفضاء الإلكتروني الأوسع. لكن حالياً في أفضل سيناريو لعشاق «ويب ثري»، ستعمل التكنولوجيا جنباً إلى جنب مع «ويب 2.0» ولن تحل محلها بالكامل.

بعبارة أخرى، يمكن للشبكات الاجتماعية والمعاملات والشركات القائمة على تقنيات «بلوكتشين» أن تنمو وتزدهر في السنوات المقبلة. ومع ذلك، فإن إنهاء دور فيسبوك أو تويتر أو جوجل ليس بالأمر الوارد.

وأشار درايهرست من جامعة نيويورك إلى أن هذه التجربة تختلف اختلافاً جوهرياً عما اعتاد عليه العالم، من دون أن يحدد الفائز، وقال: «من المؤكد أن شركات «ويب تو» ستُدرج أفكار «ويب ثري» في خدماتها لضمان بقائها في المشهد التقني العام».

في المقابل، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للعثور على المشككين الصريحين في عالم «ويب ثري»، وأن الحرية اللامحدودة قد تؤدي إلى نتائج مقلقة. وأحد هؤلاء هو جيمس جريملمان، أستاذ القانون والتكنولوجيا في جامعة كورنيل، الذي وصف «ويب ثري» بالبرنامج المعلن غير القابل للشراء أو التسليم بعد. وقال: «إنه إنترنت مستقبلي موعود يعمل على إصلاح كل الأشياء التي لا يحبها الناس في الشبكة الحالية. لكن إذا كان من أهدافه الحد من التخلي عن البيانات الشخصية لمصلحة شركات التكنولوجيا الكبرى، فإن بلوكتشين ليس هو الحل، لأنه سيجعل هذه البيانات عامة أكثر وتضرب الخصوصية في مقتل».

يجادل المشككون أيضاً بأن تقنية «بلوكتشين» مثيرة للاهتمام، وتحل بعض المشاكل الصعبة بطرق جديدة عبر مجموعة من الأدوات المبتكرة، لكن هذا لا يعني أن مفهوم الإنترنت الجديد سيدور حولها.

مارك أندريسن يدافع

صاحب رأس المال الاستثماري الشهير مارك أندريسن، حظر جاك دورسي، من التواصل معه على منصة التواصل الاجتماعي، بعد أن انتقد دورسي بعض جوانب قطاع رأس المال الاستثماري، وأدلى بعدة انتقادات محددة حول الشركة التي أسسها أندريسن، وهي شركة «أندريسن هورويتز».

وأعرب دورسي عن وجهات نظر متعددة حول مشروع شبكة الجيل الثالث من الإنترنت «ويب 3»، وكتب على «تويتر»: «أنت لا تملك شبكة ويب ثري، بل أصحاب رؤوس الأموال الكبار، وفي النهاية ستكون ويب ثري كياناً مركزياً بتسمية مختلفة». وبعد ذلك غرّد دورسي قائلاً: «أنا ممنوع رسمياً من Web3»، جنباً إلى جنب مع لقطة شاشة تظهر أنه تم حظره بواسطة أندريسن. ودفعت تغريدته العديد من مستخدمي «تويتر» الآخرين الذين حظرهم أندريسن إلى مشاركة صور مماثلة.

وأندريسن، الذي جنى المليارات من وراء الرهانات المبكرة على شركات مثل «فيسبوك»، دعم عدداً من الشركات التي تعمل على تقنيات يمكن أن تدعم «ويب ثري» يوماً ما.

ولدى شركة «أندريسن هورويتز» صفحة على موقعها الإلكتروني تسمى web3 Policy Hub، وبعنوان فرعي «نحن نستحق إنترنت أفضل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"