سنة مستعملة وليست جديدة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قرأت العبارة التالية بالدارجة اللبنانية: «ما عاد بدي احتفل بعْياد/ وبطّلت عم انطر سنين جْداد/ ياريت إحظى بشي سنة مستعملة/ من عمر عشنا فيه كنا ولاد». لا تسألوني من كتب هذه العبارات، لأني لا أعلم، ولوهلة خطر في ذهني أنها كلمات أغنية من الأغاني، كتبها شاعر بالعامية، وحاولت أن أبحث عن أغنية تبدأ بهذا المقطع أو تتضمنه، فلم أفلح.
راق لي وصف «السنة المستعملة». عبارة تذكرنا بأشياء أخرى: سيارة مستعملة، بضائع مستعملة وما إلى ذلك، ونحن نعلم أن تجارة هذا النوع من البضائع رائجة، ويقبل الناس على شراء بضائع مستعملة، ليس فقط لأن أسعارها أرخص من الجديدة، وأسعارها تناسب الكثيرين، وإنما أيضاً لأنها قد تكون أجود من نظيرتها الجديدة، فبعض الموديلات والماركات من البضائع قد تختفي من محال بيع الجديد، لكنها تتمتع بجودة أعلى من هذا الجديد، فيفضل المشترون اقتناءها.
لكن لم يخطر ببالي من قبل، وأظن أن كثيرين منكم مثلي تعبير «السنة المستعملة»، تمييزاً لها عن «السنة الجديدة» التي نحن تحت تأثير أصداء الاحتفال بقدومها، الذي وصفته زميلتنا الأديبة إنعام كجه جي ب «صداع رأس السنة»، وكاتب الكلمات الواردة في المفتتح يقول إنه كفّ عن انتظار مثل هذا «الصداع»، وإن ما يحلم به هو استعادة «سنة مستعملة»، تعيده إلى أيام طفولته أو صباه.
إنه الحلم المستحيل. ما مضى لن يعود. لكن أن نبلغ وضعاً نشعر فيه أن «الجديد» لم يعد يحمل بهجة أو فرحاً، يبدو منطقياً أن نعود بالحلم، أو الحنين، إلى الماضي، إلى «سنوات مستعملة» عشناها ببهجة وفرح وعطاء، إنها المسألة الأزلية: الهروب من حاضر رتيب إلى ماض كان أجمل. تعويض «سيكولوجي» لا أقلّ ولا أكثر. فالمستقبل المنشود، حتى لو أفلحنا في صنعه كما نشتهي، لن يكون، هو الآخر، نسخة من الماضي الذي نحنّ إليه.
مع ذلك، من بوسعه السجال في حقيقة أن «السنوات المستعملة» هي التي صنعتنا. ما نحن عليه اليوم من أفكار وتجارب وخبرات ومشاعر وعلاقات هو نتاج تلك السنوات، ما من سنة تمر، لتصبح في عداد «المستعمل» إلا وتترك أثراً، ينقص أو يزيد، في مجمل هذا المتراكم الذي هو نحن، كأفراد وجماعات.
كنت سأختم بهذا لولا أن عبارة كتبها الأديب المصري أحمد الخميسي على حسابه على «فيسبوك» استوقفتني هي الأخرى، وبدت لي أشبه بالاستدراك على ما ذكر أعلاه، وفيها يقول: «أنا محرج من العام الجديد لأنه جاءني قبل ذلك عدة مرات، ووعدته بأشياء لم أنفذها». كلنا مثلك يا أحمد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"