عادي

تعرف إلى مسرحية عجلت بقيام الثورة الفرنسية

17:13 مساء
قراءة دقيقتين
جانب من أحد عروض «زواج فيجارو»

الشارقة: علاء الدين محمود
ترسخ الأعمال الفنية والأدبية عندما تكون قريبة من المجتمع والجمهور، تحمل همومه وتناقش قضاياه، وكذلك بقدر ما تحمل من رؤى وأفكار ورسائل تكون ملهمة للناس في كل مكان، وتعينهم على مقابلة صعاب الحياة وتوفر لهم الحلول.
مسرحية «زواج فيجارو» للمؤلف الفرنسي بيير كارون دو بومارشيه «1732-1799»، كان قد كتبها عام 1778، ووجدت نجاحاً غير مسبوق، وظلت تعرض طوال العام، بواقع سبعة وستين عرضاً في السنة، وجراء ذلك لقيت صدى كبيراً خارج فرنسا، لأسباب كثيرة منها دعوتها للحرية، ولحداثة مضمونها وجدة طرحها، يتكون العرض من خمسة فصول، وبطله فيجارو، وهو رجل محب للحياة، مع ميل نحو التمرد، حيث كان يطالب بالمساواة مع سيّده الكونت ألمافيفا، وهو أمر كان غير عادي ومفارق لعادات المجتمع وتقاليده في ذلك الوقت، حيث كانت مطالبه تلك بمثابة دعوة مباشرة لـ«الحرية والعدالة والمساواة»، وخروج عن القيم التي ترعاها السلطة السياسية والكنيسة.
وعلى الرغم من أن المسرحية ذات طابع كوميدي ضاحك، إلا أنها تتضمن النقد الساخر واللاذع ضد امتيازات طبقة النبلاء غير العادلة، التي كانت تقلل من شأن الطبقات الشعبية المستضعفة، فقد كتبها بومارشيه بنفس شخصيات وأجواء مسرحيته التي سبقتها «حلاق إشبيلية» والتي استلهم فيها أسماء وأماكن إسبانية، رغم أنها مسرحية تعكس الواقع والأحداث في فرنسا قبيل الثورة الفرنسية ولا علاقة لها بإسبانيا، مستعرضاً بصورة رمزية وساخرة الطبقية السائدة في المجتمع الفرنسي والمعاناة الشديدة التي كان العمال والفلاحون يكابدونها، كان الملك يحكم بصورة مطلقة، بمساعدة رجال الدين المسيحي، وكان سجن الباستيل الشهير مصير كل من يعترض على تلك المنظومة.
لقيت المسرحية شهرة كبيرة، حتى أن الموسيقار الشهير موزارت صاغ منها عام 1786 أوبرا بالعنوان نفسه عرضت أول مرة في فيينا، قبيل الثورة بثلاثة أعوام فقط، ولعل قوة العرض هي التي شجعت موزارت الذي خرج بالفعل عن المألوف، حيث كانت الأوبرا تحكي عن قصص الأساطير والعوالم الخيالية البعيدة عن المعاناة الإنسانية، فكانت أوبرا زواج فيغارو نقطة التحول الحقيقية في مجال التأليف الموسيقي الأوبرالي.
استنكر الملك لويس السادس عشر المسرحية ونقدها اللاذع للقيم السائدة واستهزاءها بالسلطة، لأنها كانت تساند الطبقة البورجوازية الصاعدة في دعوتها إلى الحرية والمساواة بين البشر، ووصفها بالعمل المقيت، وقال عن كاتبها: «هذا الرجل يستهزئ بكل ما يمثل السلطة»، مضيفاً أنها لن تعرض أبداً. غير أن المؤلف أعاد كتابتها من جديد، وقدمها على خشبة مسرح «الأوديون» في 25 إبريل عام 1784، دون أن يتنازل عن نقده المبطن للسلطة، وتابعها الناس وعُدّت من الأعمال التي بشرت بالثورة الفرنسية، وكان الشعب يتابع المسرحية التي كانت تعرض بصورة مستمرة، فيزداد حماسه وهيجانه، إلى حد قول كثير من النقاد بأن المسرحية لم تلهم الناس فقط، بل وعجلت بقيام الثورة الفرنسية عام 1789، لكونها قد ألهبت حماس الجماهير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"