عادي

الخالق جلَّ جلاله

23:56 مساء
قراءة 3 دقائق
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
من البدهي أن كل مصنوع له صانع، فلا شيء وجد مصادفة، فنحن حينما نرى الهاتف أو السيارة أو البيت لن نصدق إن قيل لنا إن هذه الأشياء وُجدت بمفردها؛ إذ لابد أن هناك شخصاً صنعها أو أنشأها. وإذا كان هذا القانون يجري على كل ما حولنا، فبدهي أن يجري على الكون بكل ما فيه، وعلى جميع ما يدب على أرضه أو يُحلق في سمائه، فالكون له خالق أنشأه وأقام بنيانه، ونظم صنعه.

وعندما جادل أفراد أحد العلماء حول خلق الكون، مدعين أنه خلق من تلقاء نفسه، واعدهم بأن يلقاهم في اليوم التالي، ولما كان موعد اللقاء تأخر وجلس بحيث يراهم ولا يرونه، فلما رأى أنهم سئموا الانتظار، وكادوا أن يغادروا جاء إليهم معتذراً عن تأخره، متذرعاً بأنه يسكن في الضفة الثانية من النهر، وأخبرهم أنه لم يجد مركباً يُقله، ولما أراد أن يعود أدراجه جاءت إليه مجموعة أشجار طالبة منه أن ينتظر ريثما تتشكل على هيئة قارب ثم جاءه فأس فقطع الأشجار إلى أخشاب، لتأتي المسامير فتأخذ مكانها منتظرة المطرقة التي لم تتأخر في رص الأخشاب ليتشكل قارب متكامل البنيان. وبينما هو يقص عليهم هذه القصة التي ادعى أنها جرت معه، علت أصواتهم بعبارات الاستنكار: «محال، محال»، وهنا كان الجواب الشافي منه: «كيف تدعون تشكل كون بعظمته من تلقاء نفسه ثم تنكرون أن قارباً لا يتشكل بنفسه».

الكون لا بد له من خالق، فمن خالق الكون؟ الخالق هو الله، جل وعلا، فمن ادعى الخلق سواه بات نسياً منسياً، ففرعون الذي قال للناس «أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى» [النازعات24]، كان جزاؤه الغرق، وبقاء جسده شاهداً على مصير من ادعى الألوهية «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ» [يونس: 92]، وكذا كان الفناء مع العذاب للنمرود الذي ادعى الخلق والألوهية، إذاً الخالق هو الله القادر على كل شيء، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدركها، وهو على كل شيء قدير.

الخلق هو إيجاد الشيء من العدم واسم الفاعل منه الخالق وهو من له القدرة على إيجاد الأشياء وتنظيم حركتها من دون مثال سابق، فمن السهل أن نصنع شيئاً من خلال مثال سابق عنه أو عبر تقليده، لكن القدرة والعظمة تكون في إيجاد الشيء من العدم وبث الروح فيه، وتنظيمه تنظيماً دقيقاً؛ لذا حينما حدثنا الخالق، جلَّ وعلا، عن قدرته في الكون، قال «وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)} [النحل]، فهو من أوجد الأشياء من العدم وأبدع في صنعها؛ بل تحدى مخلوقاته أن تكون لهم القدرة على الخلق «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ» [الحج:73].

والعبد حينما يعلم أنه عبد لخالق الكون ومن فيه، فعليه أن يُذعن لأوامره، وأن يرجوه ويدعوه فهو وحده من بيديه مقاليد السماوات والأرض.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"