طائر الرّوح بجناحين من طين

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس السؤال: لماذا لم يتطور الإنشاد الديني في العالم العربي؟ لأن الجواب إذا كان من فضة، فالسكوت قطعاً من ذهب. إلا أن طرح السؤال ضروري، لكي ندرك أن عدم نمو نباتات جديدة في فضاء الإنشاد الديني، سببه أن تربة الموسيقى العربية لم تكن لديها الخصوبة المعطاء التي يجودها غيث الإلهام الهامي، فيزخر ماؤها، ويربو نماؤها.
حدث كثيراً في تاريخ الأمم، أن ظهرت وجهات نظر ما، غدت في حكم الأحكام، بعضها حال دون نمو الفكر والفلسفة وبعض الفنون، وامتدت الأمور إلى العلوم أيضاً. لا علينا، فمثل هذه القضايا المزمنة لا يُحل اليوم ولا بعد غد. فليقتنع من لم يقتنع بأن انعدام تطور الإنشاد الديني، ليس سوى جزء لا يتجزأ من انعدام تطور الموسيقى العربية.
صلب الموضوع السؤال: أليس شأناً جللاً أننا لا نملك موسيقى روحية لها أشكال وأجناس؟ كيف تكون لنا فضاءات صوفية في القرون الخالية، شموس معارفها مشرقة في المشارق والمغارب، ولكن تلك الشموس النورانية الروحانية غير قادرة على التعبير عن إشعاعها بلغة الموسيقى؟ معذرة إذا خانت العبارة القلم فقسا قساوة، وجفا الطلاوة والحلاوة، فالخير في قطائف الشهر والبقلاوة: هل الموسيقى العربية لا تستطيع التعبير إلاّ عن الحسي؟ واأسفاً! كيف تنتصر اللغة المادّية على لغة المهجة والروح ووجْد الوجدان؟ التعبير موسيقياً عمّا يختلج في عوالم الروح وملكوت الروحانيات، لا يكون إلاّ بالآلات، في عزف منفرد (صولو) أو أداء أوركسترالي، فهل للآلات في الموسيقى العربية قدرة على الإفصاح عن مكنونها وكيانها وكينونتها؟ إذا تصور أحد أن هذه القضية ثانوية هامشية لا تحتاج إلى تحقيق عميق، فإنه يحتاج إلى إعمال الفكر مليّاً في فن يستطيع إيقاعه أن يحرّك القدم أو الرأس أو الجسم بكامله، ويعجز أن يجعل أوتار الروح بسحر بيانها تبوح.
إذا كانت الروح أسمى من الطين، فلا شك في أن اللغة التي تعبّر بها عن آفاقها، يجب أن تكون لغة ما بعد الكلمات، ما وراء المفردات والجمل والنحو والصرف. 
من العسير تصوّر متتاليات المشهد. تلك هي مأساة غياب الفكر في ساحات الفنون.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكاريكاتورية: حاجة الموسيقى إلى الكلام، تشبه حاجة طائر الروح إلى جناحين من طين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"