شح القمح يهدد العالم

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

يعيش عالم اليوم تغيرات جذرية في هندسة القوة، ويتسم التغيير الذي نشهده بأنه تغيير متسارع شامل لا يقرع أبواب الصناعة والزراعة فحسب؛ بل يتغلغل في أعماق الحياة اليومية للأفراد من كافة الشعوب. حيث أصبح الإنسان المعاصر، بشكل يومي، أمام عالم متغير، يومه مختلف تماماً عن أمسه، في قوته وعمله ومستقبله، إضافة إلى التغيير من حوله، في الاقتصاد والجغرافيا والسياسة وغيرها من المجالات، على مستوى العالم، ويرجع ذلك في الغالب إلى عاملين: العوامل الطبيعية من جانب، والعوامل البشرية المتمثلة في الحروب من جانب آخر.

  فبالنظر للعوامل البشرية، التي يبلغ تأثيرها أضعاف العوامل الطبيعية، نجد أن الحروب قد أفنت الملايين من البشر، وشردت الملايين، إضافة إلى ما يترتب عليها من آثار الدمار والخراب والمجاعات والأوبئة وغيرها من الأزمات التي لا تنفك البشرية تعانيها لآماد طويلة.

  فالبشرية اليوم، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، تعاني ارتفاعاً في أسعار الطاقة، ما يؤثر في سائر السلع الأخرى، ولا يقل الأمر فداحة في سلعة استراتيجية أخرى وهي القمح؛ حيث يلوح في الأفق شبح أزمة في إمدادات القمح، ذلك الغذاء المهم والأساسي والذي يعد سلعة أساسية في حياة البشر، في مختلف بقاع الأرض؛ حيث يدخل في العديد من أشكال الأطعمة والمخبوزات.

  هذه الأزمة، إضافة إلى تأثير الحرب الحالية، نشأت كذلك جراء عوامل أخرى متعددة، أولها: التغير المناخي بسبب استمرار تصاعد الغازات الدفيئة، ما أدى إلى زيادة درجات حرارة الأرض، وبالتالي حدوث الجفاف وزيادة الأوبئة التي تفتك بالمحاصيل الزراعية، ثاني تلك العوامل: جائحة كورونا وما نتج عنها من إغلاق عالمي ترك أثراً سلبياً في عمليات الزراعة والتوريد، وخاصة في الدول الرئيسية المنتجة، مثل: روسيا التي تراجعت صادراتها من القمح 45,5 في المئة منذ بداية موسم التسويق 2021 – 2022، في الأول من يوليو/تموز الماضي، بسبب قلة المحصول، وضريبة صادرات جرى تحديدها عند 86,3 دولار للطن المتري. كما تراجع إنتاج القمح في الولايات المتحدة إلى مستوى متدنٍ.

  وقد ارتفعت أسعار القمح بأكثر من 39 في المئة، منذ مطلع العام الحالي مسجلة أعلى مستوى في تسعة أعوام. غير أن تلك الأسعار ليست ثابتة؛ بل قد تتغير مع زيادة المعروض من القمح في السوق الدولية.

 ويبلغ إنتاج القمح في العالم سنوياً أكثر من 700 ملايين طن متري وفق أرقام منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والمجلس الدولي للحبوب. ويتركز الإنتاج في كل من الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا؛ إذ تستحوذ هذه الدول على أكثر من ربع الإنتاج العالمي للقمح. وهناك دول منتجة أخرى لكن بكميات أقل مثل: كندا وكازاخستان وباكستان، وأستراليا، والأرجنتين، ورومانيا، وتركيا، إضافة إلى دول عديدة أخرى. وعندما حدثت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ظهرت تقارير تحذر من تأثر الإمداد العالمي من القمح؛ لأن أوكرانيا لن تستطيع أن تجني محصولها، بسبب الدمار، وفرار المزارعين وأسرهم حفاظاً على أرواحهم، وانخراط البعض في الدفاع عن وطنه. كما أن روسيا قد تجد صعوبة في تصدير قمحها بسبب العقوبات الغربية عليها.

 هذه المأساة، جراء شح إنتاج القمح، سوف تؤثر في دول عديدة، منها بعض دولنا في العالم العربي التي تعتمد اعتماداً كلياً على القمح المستورد، خاصة من دولتي النزاع روسيا وأوكرانيا، وإن كان إنتاج أوكرانيا من القمح ليس مؤثراً إلى درجة حاسمة في الإنتاج العالمي من القمح. لكن الأزمة ستطال بشكل مباشر تلك الدول التي تعاقدت مع شركات أوكرانية لتوريد القمح والتي لن تستطيع الوفاء بتلك العقود بسبب الحرب الدائرة.

  هناك خوف حقيقي من حدوث أزمة في القمح والدقيق، بسبب توقف الإمداد من أوكرانيا وروسيا. وهناك تحذير من منظمات دولية من مجاعة قد تطال العديد من الدول، وخصوصاً الدول الفقيرة أو التي تعاني ضائقة اقتصادية ومالية.

 يقول البعض إن هناك تهويلاً جراء أزمة القمح بسبب الحرب، من أجل تحميل روسيا مسؤولية الأزمة، لكن الحقيقة هي أن العالم سوف يواجه في وقت قريب شحاً في استيراد القمح وبالتالي فإن الأزمة لا بد أن تطل برأسها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"