مبيعات الغاز الروسي لأوروبا بالروبل

21:18 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
أمر الرئيس فلاديمير بوتين البنك المركزي الروسي بتطوير آلية، خلال أسبوع واحد، لتسديد قيمة مبيعات الغاز الروسي للدول غير الصديقة (بحسب تعبير السلطات الروسية)، والقصد ينصرف هنا إلى أوروبا، أكبر مستورد للغاز الروسي، بالعملة الروسية «روبل». كما طلبت الحكومة الروسية من شركة الغاز الحكومية غازبروم مراجعة عقودها للتوافق مع الخطوة. وجاء رد فعل السوق سريعاً، إذ ارتفعت أسعار الغاز بأكثر من 30%، قبل أن تتراجع الزيادة إلى 10%، على وقع طلب الحصول على تطمينات وضمانات أوروبية من الولايات المتحدة بتأمين الغاز الطبيعي المسال لفصلي الشتاء المقبلين. فيما ارتفع سعر صرف الروبل واستعاد معظم خسائره التي تكبدها بعد عاصفة العقوبات الاقتصادية الغربية. الأمر يتعلق بالتعاقدات الجديدة، فيما ستستمر الشركات الأوروبية المستوردة للغاز الروسي في الدفع باليورو والدولار، كالمعتاد حتى انتهاء سريان مفعول عقودها مع غازبروم. 
وكانت روسيا قد أعلنت يوم الاثنين 7 مارس 2022 قائمة ضمت 48 دولة وإقليماً صُنِّفت كدول معادية ترتكب أعمالاً غير ودية ضد روسيا وشركاتها ومواطنيها، شملت الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة (بما في ذلك جيرسي وجزر فيرجن البريطانية وجبل طارق)، وأوكرانيا والجبل الأسود وسويسرا وألبانيا وأندورا وأيسلندا وليختنشتاين وموناكو والنرويج وسان مارينو ومقدونيا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وميكرونيزيا ونيوزيلندا وسنغافورة وتايوان.
كان من الطبيعي أن تشكل هذه المفاجأة الروسية صدمة للأوروبيين الذين يشترون الغاز الروسي الرخيص ويدفعون فاتورته اليومية البالغة حوالي 880 مليون دولار، باليورو والدولار. ذلك لأن أوروبا تستورد حوالي 40% من احتياجاتها من الغاز، من روسيا. وأظهرت بيانات من مشغل خط أنابيب جاسكاد يوم الأربعاء 22 مارس 2022، أن تدفقات الغاز المتجهة شرقاً عبر خط أنابيب يامال-أوروبا من ألمانيا إلى بولندا تراجعت بشكل حاد. المستوى السياسي الأوروبي المرتبك من هذه الخطوة التي رفعت أسعار بيع الغاز بالجملة في أوروبا، ورفعت سعر صرف الروبل مقابل الدولار، رد بالقول بأنه لا يمكن الإخلال بالعقود المبرمة، فيما يرد الجانب الروسي بأن الحديث عن الالتزام بالقانون والتعاقدات يجب أن ينسحب على قيام السلطات الأوروبية بالحجز على الودائع والأصول الروسية في أوروبا.
من حديث الأوساط النافذة في العاصمة موسكو، يتضح أن روسيا سوف تخير الأوروبيين بين الدفع بشروطها الجديدة أو البحث عن مزودين آخرين للغاز. جوناثان ستيرن، الباحث في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، قال ل«بلومبيرج»: «أعتقد أن الدفع بالروبل ممكن إذا تمكن بنك أوروبي من التعاون مع بنك روسي غير خاضع للعقوبات، لكن هذا قد يكون محرجاً للأوروبيين». لماذا؟ لأن الضغط الهائل الذي يمارس على الشركات والأفراد الغربيين للانضمام للعقوبات، جعل البنوك الغربية تهرول للخروج من السوق الروسية بطريقة فوضوية. فلعقود ظلت المصارف الغربية تدلل الشركات والمليارديرات والحكومة في روسيا. وها هي الي وم مجموعة سيتي جروب التي لديها آلاف الموظفين وأصول بمليارات الدولارات في روسيا، تقلص عملياتها، كذلك تهرول مجموعة جولدمان ساكس، وجيه بي مورجان تشيس، ودويتشه بنك أيه جي، للخروج من السوق الروسية. وقبل العقوبات كان مصرف «جيه بي مورجان» يلعب دوراً نشطاً في إصدار سندات الشركات الروسية، حيث تنافس في ذلك مع البنوك الروسية العملاقة مثل «في تي بي»، و«سيرزبنك». كذلك كانت تفعل بنوك غربية أخرى، مثل «مجموعة سيتي»، و«سوستيه جنرال» و«يو بي إس».
الوضع معقد للغاية بالنسبة للشركات والبنوك الغربية التي قررت مغادرة السوق الروسية تحت ضغط الساسة. فبالنسبة لقطاع الغاز الأوروبي، من المرجح، في ضوء قرار بيع الغاز للأوروبيين بالروبل، أن تعمد الحكومة الروسية إلى إنشاء عقود جديدة تنص على شرط الدفع بالروبل. وهذا يتطلب من الزبائن، سواء الحكومات أو الشركات، حيازة العملة الروسية، بما في ذلك شراؤها في السوق المفتوحة، والاحتفاظ بها في بنوكها المركزية. وهذا سيضطرهم للتعامل مع البنوك الروسية لطلب الروبل. وهذا الطلب سوف يرفع سعر صرف الروبل على الضد من هدف العقوبات الغربية. وسوف يزداد الوضع تعقيداً بطبيعة الحال إذا ما قررت الحكومة الروسية المضي قدماً وتطبيق شرط الدفع بالروبل على مبيعات النقط الروسي وبقية الصادرات السلعية الروسية للدول المشمولة في القائمة المذكورة.
* كاتب بحريني
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"