«جزيرة غمام».. نور ونار

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يمكنك أن تكتب عن هذا العمل مبكراً، فمع كل حلقة تشعر بأن المزيد من الجمال آتٍ وما عليك إلا الصبر، فتصبر حتى اليوم التالي لتجد نفسك أسير المسلسل وكل كلمة مكتوبة فيه وكل مشهد وأداء، فتزداد حيرة، ماذا تقول وأنت على يقين بأن هناك من الإبداع ومن الرقي ما سيبهرك أكثر فأكثر؟
«جزيرة غمام» مسلسل يغرد وحيداً خارج سرب المسلسلات المعروضة على الشاشة في هذا الشهر، يحلق عالياً بفلسفته وعمقه وروحانياته وجمال صورته واكتمالها لدرجة أنك تبقى مشدوداً إليه ولا تنتبه إلى أي خطأ ولا تجد مكاناً لكلمة «لو» لتحشرها وسط حديثك عنه أو حتى تذيله بها.
كالعادة، يقدم المؤلف عبد الرحيم كمال ملحمة، بل هي لوحة يرسم فيها الحياة وعلاقة المخلوق بالخالق؛ كل الشخصيات تحكي عن البشر، لا هوية ولا لون ولا شيء يميزهم سوى نفوسهم وأرواحهم؛ هم نحن، كلنا هنا على هذه الجزيرة المصنوعة من غيم وخيال، عرفات وخلدون ليسا كباقي الشخصيات، هما وجها الشر والخير، النور والنار، هل يستكين الشيطان ويهدأ قبل أن «يزوبع» المكان الذي يحل فيه فيقلب أحوال البشر ويغربلهم؟ البعض يمشي خلفه وآخرون يزدادون ثباتاً وتمسكاً بالإيمان وبالله. وهل يخاف المؤمن الذي أسكن الله في قلبه وكان «عقله في قلبه وقلبه في روحه» كما يصف عبد الرحيم كمال الشيخ عرفات، من الشيطان وألاعيبه فيضعف أو يهرب؟
لا يمكنك أن تختصر «جزيرة غمام» في بضع كلمات، فالتفاصيل أجمل من العناوين العريضة وأكبر من الاختصار؛ وجمال الكتابة والحوار اكتمل برؤية فنية مميزة للمخرج حسين المنباوي الذي قدم لنا الجزيرة بجمال ألوان السماء والبحر وغضب الغمام أحياناً وابتسامة الشمس غالباً، والديكور والأزياء.. ناهيك طبعاً عن جمال الممثلين المتنافسين في تقديم أفضل ما يملكون من أداء لا يقدمه إلا الموهوبون بحق؛ أحمد أمين الرائع في شخصية عرفات، براءة ملامحه وعلامات الاستفهام على وجهه والدهشة في عينيه كأنه طفل بنقائه لم تلوثه الحياة بعد، رياض الخولي (العجمي) سيد الجزيرة القوي اللين، الصارم العادل، طارق لطفي (الشيطان خلدون)، يجمع بين الأفعى والحرباء يتلوى ويتلون قبل أن يبخ سمومه، مي عز الدين مختلفة تماماً، تولد فنياً من جديد، شخصية «العايقة» قدمت لها فرصة ذهبية لتُخرج طاقات بقيت مكبوتة حتى الآن، محمود البزاوي (بطلان الأناني نصير الباطل من أجل مصلحته)، وفتحي عبد الوهاب جيد في دور الشيخ محارب المتطرف.
عبدالرحيم كمال قدم 3 نماذج للتدين: عرفات الرجل الزاهد في الدنيا المخلص في إيمانه الصادق المتصالح مع نفسه ومع الله، ويسري الرجل الطامع المستغل للدين من أجل تحسين أوضاعه عبر ادعائه القدرة على حل مشاكل الأزواج بالتعويذة، ومحارب المتسلق يرهب الناس باسم الدين، عينه على السلطة وهدفه التحكم والحكم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"