استباحة المسجد الأقصى

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

بدأت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» والمستوطنون استباحة ممنهجة للمسجد الأقصى المبارك، منذ يوم الجمعة 15 إبريل/نيسان الحالي وهي ما زالت مستمرة، وتأتي هذه الاستباحة خلال شهر رمضان المبارك، وهذا لم يكن صدفة.

 لقد صعد جنود الاحتلال فوق الجانب القبلي من الحرم القدسي، وحبسوا النساء في مسجد قبة الصخرة، وأمطروا المصلين بالأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع الأمر الذي أدى إلى تكسير نوافذ المسجد، وجرح واعتقال المئات من أبناء شعبنا الفلسطيني. 

 منذ بداية الاحتلال عام 1967 يستهدف الإسرائيليون مدينة القدس بشكل خاص كما أهلها، سواء من حيث تغيير ملامح المدينة المقدسة بهدم العديد من منازلها وبناء منازل وأحياء كاملة للمستوطنين فيها، كما تقوم بسحب الهوية الإسرائيلية من سكانها، وهي التي فرضتها عليهم فرضاً. واستباحة الأقصى الأخيرة جاءت بعد إعلان جماعات يهودية متطرّفة بأنها ستحتفل فيه بعيد الغفران اليهودي. 

 الانتهاكات البغيضة التي تقترفها القوات الإسرائيلية في المسجد الأقصى وسماحها للمستوطنين المتطرفين باقتحام حرمته الشريفة في الشهر المبارك يعتبران استفزازاً متعمداً واعتداء صارخاً على حق الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية، كما أنهما يشكلان تحدياً سافراً للدول العربية والمجتمع الدولي ولمليار مسلم. 

 لا يبدو أن إسرائيل معنية بالتهدئة التي دعت إليها دول عربية وأخرى كثيرة على الصعيد الدولي إضافة إلى الأمم المتحدة، كما أنها لا تلتزم بكل قرارات الأمم المتحدة حول الوضع الخاص لمدينة القدس وعدم تغيير طبيعتها الدينية والجغرافية، إضافة إلى استخفافها بحرمة المسجد الأقصى وبمشاعر ملايين من المسلمين الذين يتطلعون إليه باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فضلاً عن مواصلة سلطة الاحتلال دعم الخطط الاستيطانية الرامية إلى تغيير معالم المدينة المقدسة ومحاولات إبعاد سكانها الأصليين من الفلسطينيين، تحقيقاً لخطة التهويد الشامل للمدينة.

 تتحمل إسرائيل المسؤولية بتشجيعها المستوطنين على التصعيد الشامل في كافة المناطق المحتلة عام 1967، وبخاصة في مدينة القدس، وهي التي تطلق أياديهم للاعتداء على أبناء شعبنا ومقدساتنا دون احترام لحقهم من العيش بسلام في مدينتهم، وبخاصة في أحياء القدس القديمة.

 ليس ذلك فقط، إنما على «إسرائيل» الاستجابة للدعوات العربية والدولية الداعية إلى وقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية كما في القدس. 

 يهدف «الإسرائيليون» إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً أسوة بما فعلوه في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل. وليس صدفة أيضاً أن تستمر الاعتداءات على الأقصى في «يوم الأسرى الفلسطينيين» الذي صادف يوم 17 إبريل/نيسان الحالي، وكأن سلطات الاحتلال تريد خنق الفلسطينيين والتضييق عليهم في مختلف المجالات.

 على صعيد آخر، تتواصل الإدانات العربية والإسلامية وبعض الدولية المناصرة للحقوق الفلسطينية، إزاء اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى، واعتدائها المتعمّد على المصليين فيه.

 وسط ذلك، أجرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عدة اتصالات مع رؤساء الدول العربية والإسلامية، وبعث برسائل إلى رئيس قمة دول منظمة التعاون الإسلامي، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، ورئيس الاتحاد الإفريقي، وأمين عام جامعة الدول العربية لتنسيق المواقف فيما يتوجب اتخاذه من إجراءات ضد الانتهاكات الإسرائيلية للحرم القدسي الشريف. 

 من جانب آخر تُجري جهات عديدة اتصالات مكثفة مع القيادة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي كي لا تنزلق الأحداث إلى حرب واسعة بين الجانبين. 

 منذ بدء انتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى، يسود التوتر مدينة القدس ومختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، ما أدى إلى إصابة عشرات الفلسطينيين في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية واعتقال المئات. لقد قتل الاحتلال 18 فلسطينياً منذ مطلع إبريل/نيسان الجاري وفق وزارة الصحة الفلسطينية. 

 من جانب آخر، لا يبدو أن سلطات الاحتلال ستتوقف عن انتهاكاتها المستمرة للمسجد الأقصى. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أنه منح قوات الأمن الإسرائيلي حرية العمل واتخاذ ما تراه مناسباً للدفاع عن الأمن الإسرائيلي، ما يعني تصريحاً كاملاً بقتل الفلسطينيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"