عن هاجري القلم والورق

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

غادر الشعراء القلم والورقة والحبر، والبعض بل ربما الكثير منهم اليوم لم يعد يعرف كيف يمسك بالقلم، وكيف يكتب بريشة الحبر، القلم الذي يُعَبأ بأنبوب داخلي يحتوي على شفّاط صغير من البلاستيك، وتحديداً في أقلام «الباركر» و«الشيفر» القديمة من موديلات الستينات والسبعينات من القرن الفائت، حين كان الشعراء، أو الأدباء عموماً، يكتبون بالحبر الصيني على ورق أشبه بورق الجريدة، كان الفلّاحون والقرويّون يسمّونه ورق «الكدش».
ظهرت في عائلتي «الشيفر» و«الباركر» سلالات أو أجيال متوالية من الأقلام يُحددها أحياناً سن القلم، فهناك السن الصغير، والسن المتوسط، والسن الكبير. سن القلم الصغير خطّه صغير وناعم، أما سنّ القلم المتوسط فخطّه متوسط الحجم لا هو خط كبير ولا هو خط صغير، في حين أن سن القلم الكبير خطه كبير وغالباً ما يستخدمه الخطّاطون.
منذ صباي، مروراً بشبابي وحتى الآن، حيث يزحف شيب العمر على رأسي أستخدم «الشيفر» أو «الباركر» ذا السن الكبير والخط الكبير على ورق الجريدة، وبحبر أسود.
اختلفت الأقلام اليوم، لم تعد تلك «الرِّيَش» أو الأقلام ذات الأسنان الدفّاقة بالحبر موجودة كما كانت موجودة بكل يسر وبساطة في زمان الحبر والورق.
اليوم، لم يعد الكثير من الشعراء يحملون أقلاماً في الجيوب الداخلية لستراتهم الجلدية أو القماشية، وأصبح الشاعر أو الكاتب الذي يستخدم الكمبيوتر لا يعرف الكتابة مطلقاً بالقلم. وبعينيّ هاتين رأيت كتّاباً يحتاج الواحد منهم قلماً فجأة لكي يوقّع على معاملة، أو لكي يكتب رقم هاتف، أو لكي يدوّن ملاحظة ضرورية على ورقة أو على بطاقة، وإذ به لا يعرف كيف يوجّه سن القلم في اتجاه الكتابة الصحيح.
لقد هَجَروا القلم والورق والحبر، فهجرتهم الكتابة وهذا أخطر ما في حالة هذا الرعيل الجديد المعاصر من كتّاب الكمبيوتر ذي السطح الآلي البارد الذي ينفي تماماً الورق ورائحته وسطحه «الإنساني» الحميم.
لا علاقة لكتّاب الكمبيوتر من الأدباء والشعراء والروائيين والقصّاصين والمسرحيين بالحبر ولا برائحة الحبر، لا بل قد يتضايق هؤلاء من رائحة الورق ومن رائحة الكتابة عموماً. الكتابة باليد، يد الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وأوّل ما خلق له القَلَمْ.
ماذا يضرّ الكاتب أو الكاتبة أن يؤلف بالقلم والورقة والحبر حين يكون مع ذاته الأدبية الثقافية المبدعة، ثم يعمل على الكمبيوتر حين يكون مع ذاته الوظيفية الإدارية، المهنية؟.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"