العيد قبول!

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

تقبل الأيام سريعة، وأسمع مع هبوب الريح صوتها، تغرِّد في حضن الزهر منشدة الحب الذي يدغدغ قلب العاشق المتيم، تهيم في وشوشة العصافير تفاصيل الصبح البهي، وترسم السحب الأعالي في كبد السماء صورة السعد المنتشي، يسرع الأطفال في بهجة اللبس وحضن العائلة، تسمع الكبير يعلو صوته أن الصلاة حان وقتها، ويقبل الصغير بملبسه مسرعاً بخطى الفرح: هيا إلى المسجد، إنه العيد!
الحمد لله على التمام، الحمد لله على الكمال كل عام، وفي قلوبنا أمنيات؛ بل دعاء أن يعيد الله علينا خير الشهور أعواماً مديدة ونحن نقبل عليه في خضوع وخشوع ورجاء.. إنه رمضان يا قارئي يرحل مودّعاً ليسلمنا للعيد السعيد محتفلاً بنا، بسعينا، بصيامنا، بصلاتنا وقيامنا، إنه صوت التكبيرات يعلو مساجد الأمة مهللة ومحتفلة بأننا  ولله الحمد  كنا في زمرة من استجاب ودعا وطلب، فالعيد في كل تفاصيله هو الختام الذي يمنيك بالقبول.
العيد هو القبول: قبول الله لقلوب ارتوت بنعيم كلامه الكريم؛ قرآنه المنزّل من فوق سبع سماوات، يباهي بنا الملائكة ويخبرهم عنا أننا نقرأ وندعو ونتأمل، يباهي أننا تركنا الدنيا مقبلين آيبين، لطلبه ملبّين، وفي رمضان كنا مهللين. خطوات المساجد، وتراص الصفوف، وطواف المعتمرين، وكثرة المزاحمين في العشر الأواخر، قراءات تعلو المساجد، ودعاء من القلب يدعو الله بالقبول والرحمة والمغفرة.
العيد هو القبول بأن نتغير، فكنا في اختبار في 30 يوماً مع أنفسنا، مع احتياجاتنا ورغباتنا، ومع ما نريد ويريده الله لنا، في اعتزال وإقبال.. في ترك للملهيات، وكثرة الفعاليات، في صلة رحم هي الأولى وهي الأحق، في البعد عما يعوض بعد رمضان، في الصد عن كل ما يعطّل اجتهادنا ويبطئ سعينا. القبول في صورنا التي امتلأت بها شاشتنا تدعو وترتجي «اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عنا»، في تحسس التفاصيل التي تقربنا إلى الله: الفرائض والسنن، وكل عمل يحبه الله، في سؤالنا عن المساكين، في صدقة ترفع بها شأننا، في زكاة تطهّر بها نفوسنا، في خير نحتاج إليه.
العيد هو الطفل الصغير حين يكتسي حباً وامتناناً لما يقدّمه له أخوه الإنسان، في شبع الجائع الفقير الذي جارت عليه الدنيا فبادر أهل الكرم  من كل مكان  لإطعامه في مبادرات سخية، في ارتباك المعطي حين يقال له «كفيت ووفيت» وصلت زكاتك لمن يحتاج إليها، في فرح المحتاج المتعفّف حين أجيب سؤله، في الحب وفي العطاء وفي الترفع عن المن والأذى، في أن نترابط جنباً إلى جنب ونحن نصلي، ونؤمن بعد الإمام بأن يحفظ الله كل بلاد المسلمين.
العيد ذكر من رحل بطيّب، وذكر من فوق الأرض بالابتهاج، هي أيام معدودات وانقضت، وهي أيام فرح آتية مجزية، فنسأل الذي أعطانا العيد أن نكون قد أدّينا الأمانة، وكنا أهلاً لاستقبال رمضان ووداعه. وكل عام وأنتم بخير.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"