عادي
البورتريه ملاذ العزلة

فريدا كاهلو.. رسم الواقع بريشة الأحلام

22:32 مساء
قراءة 4 دقائق
2102

الشارقة: عثمان حسن
تقول الفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كاهلو (1907 - 1954) في معرض توصيفها لأعمالها: «أرسم بورتريهات شخصية، لأنني في الأغلب أكون بمفردي، ولأنني ذلك الشخص الذي أعرفه جيداً».

كانت أول لوحة شخصية لفريدا كاهلو هي «بورتريه ذاتي» يظهرها في ثوب مخملي في عام 1926، وقد أنجزتها بأسلوب رسامي البورتريه المكسيكيين في القرن التاسع عشر، الذين تأثروا بشكل كبير برموز عصر النهضة الأوروبيين. كما أنها استمدت أحياناً من الرسامين المكسيكيين استخدامها لبعض الثيمات كما في البورتريه الوقت يطير (1929)، وبورتريه آخر لامرأة ترتدي الأبيض (1930) وصورة ذاتية مكرسة لليون تروتسكي (1937) وغيرها.

في بعض لوحاتها تستخدم فريدا كاهلو أيضاً أسلوباً تراثياً فلكلورياً، مع ألوان نابضة بالحياة، وخلال حياتها، كان البورتريه الشخصي أو الذاتي موضوعاً تعود إليه فريدا كاهلو دائماً، كما هي حال العديد من الفنانين مثل فان جوخ في «عباد الشمس» ورامبرانت في بورتريهاته الشخصية، وكلود مونيه في «زنابق الماء».

القلبان

نتوقف عند لوحة تعد الأبرز في رسومات فريدا كاهلو، والتي يطلق عليها بالإنجليزية «تو فريدا» وتطلق عليها بعض المتاحف «الفريدتان» أو «الصديقتان» وهي لوحة زيتية لكاهلو، انتشرت على نطاق واسع، وهي الأكثر شهرة بين أعمالها، وهي عبارة عن صورة ذاتية مزدوجة، تصور نسختين من كاهلو تجلسان معاً، إحداهما ترتدي الفستان الفيكتوري الأبيض على النمط الأوروبي، بينما ترتدي الأخرى ثوب «تيهوانا» التقليدي، وهذا الأخير هو الزي التقليدي المكسيكي، التي حرصت فريدا أن ترتديه في إشارة لتمسكها بهذا التراث.

في البورتريه تقف الفتاتان جنباً إلى جنب، وكل واحدة منهما يظهر قلبها فوق ملابسها، كانت فريدا التي على اليسار ترتدي فستاناً بلون أبيض، وقلبها معرض لبعض الضرر، وبقع الدماء تسيل على ملابسها، بينما كانت الأخرى ترتدي ملابس ملونة، ولها قلب سليم.

في النسخة الأولى لفريدا تظهر بقلب جريح، وفي الثانية ثمة لباس أوروبي حديث، يعكس حزناً عميقاً على فراق زوجها، ومعلمها الرسام الشهير دييجو، تبعاً لقرارا انفصالهما، الذي لم يدم طويلاً، فما لبثا أن عادا إلى بعضهما. لكن الصورة لا تظهر حزنها على فراق دييجو فقط؛ بل تغوص في أعماق فريدا نفسها، التي فوق معاناتها حياة زوجية مضطربة، كانت أصلاً تعاني جروحاً وآلاماً وانكسارات جسدية ونفسية من جرّاء عدم قدرتها على الحمل، وثانياً وهو الأهم إصاباتها البليغة من جرّاء الحادث المأساوي الذي تركها طريحة الفراش تعاني مشكلات طبية مدى حياتها.

في البورتريه ثمة قلبان، أحدهما قوي والآخر ضعيف، وعلى الرغم من أن الشكلين، أو الرسمين يبدوان منفصلين، فإن الخيط الذي يربط بينهما يرمز كذلك إلى أنهما يشكلان «فريدا واحدة».

أنجزت فريدا كاهلو هذه اللوحة في عام 1939، كانت اللوحة مستوحاة من لوحتين شاهدتهما كاهلو في وقت سابق من ذلك العام في متحف اللوفر بينهما واحدة بعنوان «الأختان» لتيودور تشاسيريو.

مزيج

ظلت لوحة «الفريدتان» في حيازة فريدا كاهلو، حتى حصل عليها المعهد الوطني لبيلاس آرتس في عام 1947، ومن ثم تم نقلها إلى متحف الفن الحديث في 28 ديسمبر/ كانون الأول 1966؛ حيث توجد إلى اليوم.

اقترح بعض مؤرخي الفن أن اللوحة تمزج بين التراث الفريد لكاهلو التي ولدت من أب ألماني وأم مكسيكية، وهناك تفسير يؤكد أن فريدا باللباس التراثي «تيهوانا» هي التي عشقها زوجها الفنان دييجو ريفيرا فيما الأوروبية هي التي رفضها، أما بالنسبة لفريدا نفسها، فاللوحة هي «ذكرى صديق طفولة وهمي».

من يدقق في اللوحة أكثر يلاحظ أن فريدا المكسيكية تحمل صورة صغيرة لدييجو ريفيرا، بينما تحمل فريدا الأوروبية ملقطاً؛ حيث الدم ينسكب على الفستان الأبيض من وعاء دموي مكسور تم قطعه بواسطة الملقط، يربط الوعاء الدموي بين «الفريدتين» ويشق طريقه من أيديهما إلى قلبيهما.

استلهام

تقترح أستاذ الدراسات الإسبانية سارا ميسيمر أن التمثيل المتعدد الأعراق لكاهلو كما يظهر في لوحاتها، يعكس تأثير الحقبة الاستعمارية على التركيبة السكانية العرقية في المكسيك، إضافة إلى ذلك، فإن إصرار كاهلو على الزي الوطني، يفيد بأنها استخدمته رمزاً ثقافياً للأمة المكسيكية.

ألهمت لوحة «الفريدتان» صنّاع المسرح لاستثمارها على الخشبة، ففي عام (1998) ظهرت مسرحية تلعب فيها ممثلتان نسختين مختلفتين من كاهلو، الأولى تدعى إسبينا والثانية فلور وعلى الرغم من أن الشخصيتين تمثلان طرازين مختلفين، وتمتلكان اسمين مختلفين، فمن المفترض أن تكونا نفس الشخص؛ حيث ترتدي إسبينا زياً من طراز «تيهوانا» كما هو في التمثيل الحقيقي للوحة كاهلو، بينما ترتدي فلور بدلة من الأربعينات.

يجادل المؤرخون بأن هذه المفاهيم المختلفة لهوية كاهلو بين إسبينا وفلور تشير إلى الطبيعة متعددة الأوجه لهوية كاهلو الشخصية.

في السينما

ألهمت السيرة الفنية الإبداعية والشخصية لكاهلو صنّاع السينما لإنتاج واحد من أهم أعمال السينما، وهو بعنوان «فريدا» وأنتج في عام 2002، وهو من بطولة الفنانة المكسيكية سلمى حايك، وهو يصور الحياة التراجيدية الصاخبة والمؤثرة لهذه الفنانة، التي خلفت وراءها تراثاً لا يستهان به، وقد تفوقت سلمى حايك على نفسها في أداء دور معقد ومركب ترجم الانفعالات الداخلية لدى الشخصية المقهورة عاطفياً والمدمرة نفسياً وجسدياً.

سيرة

فريدا كاهلو هي من أبرز الفنانات في المكسيك، في السادسة من عمرها، تعرضت لمرض وأصيبت بشلل الأطفال، ما تسبب في إعاقة لساقها اليمنى عانتها نفسياً طوال حياتها، كما تعرضت في عام 1925 إلى حادث سيارة ألزمها أن تظل ممدة على ظهرها طوال عام كامل، وفي هذه الفترة وفرت لها والدتها أدوات الرسم التي راحت من خلالها تعبر عن ذاتها، ما لبثت أن طورت موهبتها بتلقي دروس أكاديمية، وعكست في هذه الفترة رحلتها مع المعاناة، لكنها استثمرت ذلك في إنتاج لوحات خصبة، بما فيها من خيال، وقليل من الواقعية، وعلى الرغم من أن النقاد يصنفون أعمالها ضمن الاتجاه السيريالي، فإنها تقول في سيرتها الذاتية: «لم أرسم أبداً أية أحلام؛ بل رسمت واقعي الحقيقي فقط».. هذا الواقع بما فيه من أوجاع جسدية، وما يعمل في روحها من جروح وانكسارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"