عادي

نهر الرواية

00:22 صباحا
الصورة
1
  • الجوائز تسهم في انفتاح سوق النشر

يوسف أبولوز
كما هو معروف في تاريخ الجوائز الأدبية العربية والعالمية، فإن الجائزة في حدّ ذاتها هي ذات شقين تكريميين: الأول في رأيي، وهو الأهم: التكريم المعنوي الذي يحيط بالفائز نقدياً، وثقافياً، واجتماعياً، وإعلامياً، ويجعل منه نجماً أدبياً مقروءاً فور الإعلان عن اسم الفائز،.. أما الشق الثاني، فهو التكريم المادي الذي يذهب مكافأة مالية للفائز لقاء عمله الأدبي الذي استحق الفوز، والتكريم المالي أو المادي مهم هو الآخر، فهو يوفّر ظرفاً اقتصادياً مريحاً تماماً للكاتب الفائز، هذا فضلاً عن شعوره بالاستقلالية المعيشية التي قد تنقذه من إملاءات بل ابتزازات المؤسسات الضاغطة، أحياناً، على الحياة الثقافية والكتّاب عموماً في الكثير من البلدان العربية.

هذا هو الأصل في ما أظن للجوهر المادي والمعنوي للجوائز الأدبية بشكل عام، وبالطبع، هناك شئنا أم أبينا جوائز مسيّسة، وأخرى مؤدلجة تخدم نظماً سياسية بعينها، وهناك جوائز حكومية رسمية، وهناك جوائز جهوية نفعية استقطابية إن جازت العبارة، وهناك جوائز ترضية أو استمالة أو استدراج سمِّها ما شئت.. والآن، ما موقع الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر العربية» من هذه الاعتبارات كلّها؟، وهي أي نوع من الجوائز؟ وما آليات عملها التقييمي؟.. وأين يمكن أن نضع «البوكر العربية» بين جوائز العالم؟، ولماذا أو كيف أخذت اسم «البوكر» وهو اسم جائزة مان بوكر البريطانية التي تأسست في المملكة المتحدة في العام 1968 وتمنح البوكر الإنجليزية للرواية الفائزة والمكتوبة باللغة الإنجليزية؟.

*استقلال

أولاً، البوكر العربية جائزة مستقلة تماماً، لا تقع في أي تأطير سياسي أو أيديولوجي أو نفعي، وتذهب للرواية العربية تحديداً المكتوبة باللغة العربية، أما مؤسسة البوكر العربية المنظمة والمموّلة من دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، فهي تختلف كلياً عن مؤسسة جائزة بوكر البريطانية، ولكن هذه المؤسسة أي المؤسسة البريطانية لها رعاية البوكر العربية فقط، ومن هنا، جاء اسم «البوكر» المشترك بين الجائزتين، عدا ذلك، فالبوكر العربية تمنح جوائزها بناء على حيثيات لجان تحكيم قوامها كتّاب عرب، وبالمناسبة، في الدورة الماضية 2021 من البوكر العربية كان رئيس لجنة التحكيم هو الشاعر اللبناني شوقي بزيع، أي أن رئاسة لجان التحكيم وأعضاءها ليسوا بالضرورة أن يكونوا جميعهم روائيين، وفي الدورة الحالية 2022 كان رئيس لجنة التحكيم «شكري المبخوت» قد فازت روايته «الطلياني» بالبوكر العربية في دورة 2015.

الإمارات، برؤيتها الثقافية المتفائلة دائماً بالآداب والفنون هي البيئة الأساسية للبوكر العربية التي فاز بها حتى الآن 16 كاتباً وكاتبة: من أصغرهم الروائي الليبي محمد النعّاس الذي فاز عن روايته «خبز على طاولة الخال ميلاد» وعمره 31 عاماً، والرواية الفائزة هي الأولى له بعدما كتب مجموعة قصصية واحدة، في حين أن أوّل جائزة من البوكر العربية ذهبت لبهاء طاهر، وما بين «البوكري» المصري الكهل صاحب رواية «واحة الغروب»، وبين «البوكري» الليبي الشاب صاحب الرواية الأولى له سنجد أن البوكر العربية ليست جائزة أجيال في حدّ ذاتها، فقد فاز بها روائيون وروائيات في السبعين والستين والخمسين والأربعين من أعمارهم، أي أن الزمن العمري للكاتب ليس شرطاً من شروط البوكر العربية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، لا تضع البوكر العربية شروطاً على الروايات المتقدّمة لها، كأن تشرط موضوعات روائية في حدّ ذاتها تحدّدها لجان التحكيم أو تحدّدها مجالس إدارة الجائزة، وعلى حدّ علمي أنه لا يوجد أصلاً مجلس إدارة للبوكر العربية التي تتبع نظاماً «تصفوياً» تدريجياً في الوصول إلى الرواية الفائزة، فالبوكر العربية هي جائزة قوائم أو جائزة قائمتين طويلة وقصيرة يجري تصفيتها حتى الرواية الأولى الفائزة، ولكننا سنحظى في كل عام بالروايات الخمس روايات القائمة القصيرة مطبوعة ومهيأة في إطار أنيق، غير أن الأهم من كل ذلك أن البوكر العربية راكمت منذ انطلاقها في العام 2008، وإلى اليوم خزانة هائلة من السرد العربي لأقلام شابة وأقلام شائبة أو عتيقة.

إن التراكم «البوكري» الروائي العربي الفائز منه وغير الفائز يؤشر إلى نحو 1500 رواية على أقل تقدير تقدّمت أو ترشحت للبوكر العربية، هذا إذا افترضنا أن كل دورة منذ 2008 تستقطب 100 رواية فقط متقدّمة للجائزة، غير أن الواقع الترشيحي والنشري يشير إلى أكثر من هذا الرقم بكثير، وقد يكون تراكم الروايات العربية منذ ظهور البوكر العربية وحتى اليوم أكثر من 2000 رواية في 15 عاماً ماضية.

بالطبع هناك من يكتب رواية وعينه على الجائزة، وهناك من يكتب رواية وعيناه على سرديته وأبطاله ووقائع قصّته، وفي الحالين من حق الكاتب، أي كاتب، عربياً كان أو غيرَ عربيٍّ أن يطمح إلى الفوز الأدبي، وفي كل الأحوال يهمّني هنا من ناحية صحفية الإشارة إلى الظاهرة الروائية العربية في العقد ونصف العقد الماضيين، وهي ظاهرة مرئية تماماً للمراقب الثقافي والناقد الأدبي، وبخاصة الأقلام النسائية العربية التي دخلت على خط الرواية.

**اختطاف

هذا الفن الذي اختطف بعض الشعراء العرب من ديوانهم التاريخي ليذهبوا إلى كتابة الرواية، والبعض جنى ثروات مالية من وراء الرواية إذا كان قد فاز بجائزتين أو ثلاث جوائز دسمة في عشر سنوات، ولكن في كل الأحوال لا أحد يستطيع إنكار فكرة أن البوكر العربية إلى جانب جوائز أدبية أخرى بعضها يذهب للفن الروائي فحسب، والبعض يذهب للشعر فحسب، قد أسهمت في انفتاح سوق النشر، وسوق القراءة، والتوزيع وصناعة الكتاب على الرواية، وبإمكانك أن تأخذ جولة سريعة الآن في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وفي أي معرض كتاب حتى على مستوى العالم، لترى بعينيك حجم العرض الروائي بعشرات لغات الأرض، لا بل، إن نصيب الأسد من مقتنيات مكتبتك في بيتك يذهب إلى الرواية المترجمة، البوكر الإنجليزية «شقيقة» البوكر العربية، أو أي رفوف من الروايات.. البعض منها مدموغ بختم البوكر، والبعض مدموغ بختم نوبل، وفي النهاية شكراً للجوائز التي تصنع نهراً لفن الرواية دائم الجريان.