أبوظبي: عدنان نجم
قصر الوطن صرح ثقافي يحتضنه مجمّع قصر الرئاسة في العاصمة أبوظبي، وأحد رموز مسيرة الإنجاز والتقدم في دولة الإمارات، وتظهر زيارة قصر الوطن، الموروث الثقافي العربي العريق، وتعكس الرسالة الحضارية لدولة الإمارات، ونهج الدولة القائم على قيم التعاون والمشاركة ونشر المعرفة. ويقدم لزواره الذين يستقبلهم يومياً من جميع الأعمار من الساعة 11 صباحاً ولغاية الساعة 7 مساءً، فرصة التعرف أكثر إلى تقاليد دولة الإمارات وقيمها، حيث ينتقل بهم في جولة تاريخية لاستكشاف الإرث المعرفي والتقاليد العريقة التي تحافظ عليها البلاد بعناية.
يمكن لزوار قصر الوطن استكشاف مجموعة من التحف والمخطوطات التي تضيء على الإسهامات العربية في مختلف مجالات الحضارة الإنسانية من علوم وفنون وآداب. كما يضم مكتبة القصر التي تعدّ وجهة أساسية للباحثين وطلاب المعرفة في مختلف المجالات العلمية والثقافية، بما تحتويه من مجموعة واسعة من الكتب والمخطوطات النادرة التي تعكس مسيرة التقدم في الدولة.
يُعدّ قصر الوطن مَعلماً ثقافياً عريقاً، وأكثر من مجرّد قصرٍ تقليدي فهو يعزز الفهم الثقافي للأمة ويضيء على تاريخها العريق، ويحتفي بالتراث والفنون العربية ويتميز بعمارته المهيبة وتصميمه الرائع الذي يعكس أهمية معارضه وغرفه الكائنة داخل أروقته.
ويُعرف القصر باسم القصر الرئاسي أيضاً، وتقام في ساحاته وأروقته مراسم الاستقبالات الرسمية لضيوف الدولة من رؤساء الدول. كما يفتح أبوابه للجمهور لاكتشاف تراث المعرفة والتقاليد التي شكلت رحلة الأمة.
تصميم وعمارة
يعكس القصر التراث المعماري العربي، برؤية معاصرة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين، ويتميز بطابعه المعماري الذي يعكس جماليات فن العمارة العربي بالأنماط والزخارف والأشكال الهندسية والألوان المستوحاة من طبيعة المنطقة.
ويقع القصر ضمن مجمع قصر الرئاسة الذي تبلغ مساحته 380 ألف متر مربع، وقد استغرق بناء القصر 150 مليون ساعة عمل، وبنيت واجهة القصر من الجرانيت الأبيض والحجر الجيري الذي يدوم لمئات السنين، واختير اللون الأبيض رمزاً للنقاء والسلام.
وقد استخدم 5 آلاف شكل هندسي وطبيعي ونباتي متنوع مستوحى من طبيعة المنطقة. أما أبواب القصر فمصنوعة من خشب القيقب الصلب الذي يمتاز بمتانته ولونه الفاتح. ونقشت الرسوم على الأبواب يدوياً، وقد استغرق صنع كل باب 350 ساعة. ويضم قصر الوطن القاعة الكبرى التي تقع في قلب القصر بطول وعرض يبلغان 100 متر، ويبلغ قطر القبة الرئيسية 37 متراً، وهي واحدة من أكبر القباب في العالم، واعتمد في القاعة الكبرى تصميم هندسي يستند إلى تقسيم الجدران ضمن ثلاثة مستويات، لظهار هيكل القاعة؛ المستوى الأول بعلو 6.1 متر، والثاني 15.5 متر، والثالث 21 متراً.
بيت المعرفة
ويمكن لزوار القصر الاطلاع في بيت المعرفة على مجموعة واسعة من القطع الأثرية والمخطوطات التي تستعرض تاريخ الكتب في العالم العربي، والمساهمات العربية في الحضارة الإنسانية في العلوم والفنون والآداب وغيرها. كما يمكن الاطلاع على مجموعة من المخطوطات القديمة التي تعود إلى قرون ماضية من مختلف أنحاء العالم العربي، بما في ذلك «مخطوطة برمنغهام» للقرآن الكريم، و«مخطوطة أطلس» في علم الفلك، و«شرح لامية الزقاق» الخاصة بفقه القضاء و«أصول المحاكمات» وغيرها الكثير.
ومخطوطة «برمنغهام للقرآن الكريم» واحدة من أقدم النسخ الباقية للقرآن الكريم، وقد قدم الأمير تشارلز، ولي عهد المملكة المتحدة، أمير ويلز، هذه النسخة إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2016. و«مخطوطة الأطلس» تضم جداول فلكية ورسوماً ملونة وخرائط تستعرض الجوانب الأربعة لكوكب الأرض، فضلاً عن خرائط للقارات القديمة، ويعتقد أن هذه المخطوطة تعود إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.
ويعرض بيت المعرفة المساهمات العربية في المعرفة الإنسانية في عصر التنوير الذي يعرف بالعصر الذهبي العربي، وكان الطريق نحو عصر النهضة الأوروبية، فضلاً عن ذلك، تعرض أول خريطة عصرية للجزيرة العربية من عام 1561، ورسمها الإيطالي جياكومو جاستالدي، باستخدام المعلومات التي جمعها المستكشفون البرتغاليون، ويعتقد بأنها أول خريطة تحمل اسم إمارة أبوظبي.
ويضم البيت مقولة «الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب».
كما تتضمن الحديقة الخارجية لقصر الوطن نسختين مصغرتين من الفضة للعمل الفني «طاقة الكلام» وتمثل كل منهما مقولة مختلفة للقائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، الأول هو «تعليم الناس وتثقيفهم في حد ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة، ونحن نبني المستقبل على أساس علمي»، في حين يجسد العمل الثاني مقولة «العلم والتاريخ يسيران جنباً إلى جنب، فبالعلم يستطيع الإنسان أن يسطر تاريخه ويحفظه للأجيال، ليطلعوا عليه ويعرفوا ما قام به الأجداد والآباء».
العرض الضوئي والصوتي
ويمكن لزوار القصر الاستمتاع في المساء بعرض الضوء والصوت، الذي يقدم على الواجهة الخارجية للمبنى الرئيسي، ليبرز بهاء القصر، حيث يستعرض مسيرة التقدم في دولة الإمارات، عبر رحلة مرئية من ثلاثة فصول تنتقل بالزائر من تاريخ الدولة العريق إلى حاضرها المشرق، ورؤيتها لمستقبل أكثر ازدهاراً.
«ذا غاليري»
ينتقل معرض الصور الرقمية «ذا غاليري» بالزوار في رحلة عبر الزمن، للتعرف إلى أبرز اللحظات التي ميزت عام التسامح، بما في ذلك صور فريدة لم تعرض من قبل للزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى الدولة، وصور فريدة من «الأولمبياد الخاص» في أبوظبي.
50000 مخطوطة وكتاب
تعدّ مكتبة القصر الوجهة الأساسية للطلاب والباحثين، حيث تضم مجموعة واسعة من المصادر المعرفية التي تعنى بدولة الإمارات، وتشمل المراجع المختصة بالجوانب التاريخية والجغرافية ومراحل تطور الدولة في السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية. وتضم المكتبة نحو 50 ألف مخطوطة وكتاب، ويصل إجمالي العناوين في المكتبة إلى 483,937، وتحتوي وثائق تتطرق إلى عدد من المواضيع في فن العمارة والتاريخ وعلم الأحياء وعلم الأجناس البشرية, وتغطي الكتب والمنشورات الموجودة مواضيع متعددة تشمل علم الفلك والتاريخ والثقافة والأدب وغيرها من العلوم الإنسانية، وأصدرتها مؤسسات ثقافية مختلفة، ومراكز بحثية، والوزارات المعنية داخل الدولة، ومجموعة من دور النشر الإماراتية، وتضم مكتبة رقمية تشمل 16 مليون مادة متنوعة.
