طقس السنة لا يخلو من فائدة

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

تجاوزت درجة الحرارة في بريطانيا 39 درجة هذه الأيام، فكانت حسب السلطات المعنية هناك أعلى درجة في تاريخ البلاد على الإطلاق. 

  وقد روى لي صديق يعيش في لندن، أن هذه العاصمة التي اشتهرت بأنها عاصمة الضباب قد خلت من المارة تقريباً، وأن السيارات التي تمر في الشوارع الرئيسية كان من الممكن إحصاؤها على أصابع اليدين، وأن الناس في البلد إما كمنوا في بيوتهم ،وإما فروا إلى الشاطئ . 

 وقد تابعنا كيف أن الحرائق قد اشتعلت في غابات مدينة كينت القريبة من لندن، وكيف امتدت إلى البيوت السكنية، وكيف جرى إجلاء ما يزيد على 30 ألف أسرة. كان هذا هو حال بريطانيا العظمى مع تغيرات المناخ التي نسمع عنها منذ فترة، والتي نرى تجلياتها هذه السنة كما لم يحدث أن رأيناها في أي سنة سابقة. 

  ولم يكن حال غابات فرنسا، أو أسبانيا، أو البرتغال، أو المغرب، بأفضل من حال غابات كينت التي احتلت صور حرائقها جميع الشاشات . 

  ولا بد أن الذين يتابعون حال العالم وهو يكتوي بتغيرات المناخ، يتذكرون ما فعله الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ويقولون بينهم وبين أنفسهم: لا سامحه الله. 

والسبب أنه ما كاد يستقر على كرسيه في البيت الأبيض في 2016، حتى سارع بالإعلان عن انسحاب بلاده من اتفاقية المناخ التي كان الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وقّع عليها في 2015، وكان الموقعون عليها في باريس تعهدوا بالعمل على الحد من تغيرات المناخ، وبالسعي إلى التخفيف من حدة ظاهرة الاحتباس الحراري التي خيمت على سماء العالم في السنوات الأخيرة، بأكثر مما كان الأمر في كل السنوات الماضية. 

   وقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية إلى تفريغها من مضمونها تقريباً، ثم أدى إلى درجة من عدم الحماس للعمل بما جاء فيها من جانب كثير من العواصم التي وقعت عليها. ومن يدري؟ ربما لو لم ينسحب منها ترامب لكان من الممكن أن يؤدي تطبيقها إلى أن يكون المناخ أقل حدة مما نراه عليه في هذه الأيام التي يبدو فيها الكوكب كأنه يختنق. 

 صحيح أن إدارة جو بايدن قد أعادت الأمور إلى طبيعتها بمجرد مجيئها بعد ترامب، ولكن هذا لا ينفي أن السنوات الأربع التي قضاها الرجل في مكتبه البيضاوي كانت مخصومة من كل جهد كان على العالم أن يبذله في مواجهة هذه الظاهرة الطارئة على المناخ، وبالتالي، فإن سنواته الأربع كانت وبالاً على قضية المناخ التي لم تعد ترفاً في حياة الناس . 

  ولكن ما عاشته الملايين في أنحاء الأرض، وما عانيناه جميعاً ونحن نعيش هذا الصيف القائظ، لا يخلو من فائدة في حقيقة الأمر. 

  هذه الفائدة هي أن آحاد الناس قد انتبهوا بالضرورة إلى أن حديث تغيرات المناخ ليس حديث صالونات، ولا هو تنظير من جانب عقول معزولة في قلاع بعيدة، ولكنه واقع حي لا يستثني أحداً، ولا يميز بين دولة ودولة، ولا يمر في سماء ويتجاوز سماء غيرها. 

  إنه قريب الشبه بفيروس كورونا، الذي لمّا هاجم عالمنا لم يذهب إلى الفقراء ويستثني الأغنياء مثلاً، ولكن الجميع كانوا أمامه سواء.. وهكذا بالضبط موضوع التغيرات المناخية الصعبة التي لم تعد شأناً يخص الحكومات وحدها، وإنما هي شأن يخص كل فرد فينا، وهو شأن يدعو كل شخص بيننا إلى أن ينهض بمسؤوليته في الموضوع، فلا يقوم بما يمكن أن يمثل ضرراً بالبيئة الطبيعية في محيطه بأي مقدار. 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"