أزمة جدري القرود

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

وجهت منظمة الصحة العالمية تحذيراً كان كالقنبلة، بإعلانها حالة طوارئ صحية عالمية، بعد تفشي جدري القرود في أكثر من 70 دولة، هذا التصنيف هو أعلى تنبيه يمكن أن تصدره المنظمة، ويأتي ذلك بينما العالم لا يزال يصارع جائحة كورونا، التي فتكت بالبشر، ودمرت اقتصادات، وحطمت دولاً، وزادت من مناسيب الفقر والجوع في العالم.

 المرض الذي اكتشف عام 1970، جاء انتشاره في ظروف حساسة على الصعد كافة، سواء من جرّاء الضغط على الأنظمة الصحية التي أنهكها «كوفيد-19»، أو بسبب الحروب والصراعات التي وجهت إمكانات الدول إليها على حساب تطوير أنظمة الطبابة، ومواجهة التحديات الميكروبية التي ظهرت أو التي ستظهر لاحقاً.

منظمات عديدة، ومختبرات مختلفة، تنبأت بأن العالم مقبل على أزمة صحية جديدة، لكن لم تؤخذ هذه التحذيرات بجدية أو مبالاة، فكان الهم الأكبر للعديد من الحكومات هو مداراة أزمة «كورونا»، وتخطيها، وتجاوز الضرر الذي أحدثته، مغمضة أعينها عن أي هزات صحية مستقبلية.

جدري القرود، أثار حالة من الهلع، بعد ظهور آلاف الإصابات وعدة وفيات تركزت في أوروبا، فضلاً عن موطنه الأصلي في إفريقيا، لكن الصحة العالمية أشارت إلى أنه يبقى تحت السيطرة في العالم، واستثنت القارة العجوز؛ حيث تم تقييم الخطر فيها على أنه مرتفع.

هذا المرض ربما هو أقل خطورة من «كورونا»، لأسباب عدة، أهمها وجود لقاح له، وهو أيضاً غير سريع الانتشار، ومحصور بفئات محددة، وأرجعته المنظمة الدولية إلى ممارسات خطأ، لكنه لا بد وأن يكون جرس إنذار للحكومات، كي تتنبه إلى المخاطر الصحية المفاجئة، وأخذ التحذيرات المختلفة على قدر من الجدية، وبناء نظم طبية قادرة على احتواء الأوبئة والأمراض الناشئة، وتقديم الحلول الفاعلة لتجنبها والتنبؤ بها.

يقع على عاتق الحكومات أيضاً دعم المختبرات، لإنتاج لقاحات تغطي الفئات المستهدفة، فقد أكد ريتشارد بيبودي المسؤول البارز بالصحة العالمية: «إن الإمدادات الفورية من اللقاحات ومضادات الفيروسات محدودة نسبياً»، ما يعني أن الآلاف سيكونون في دائرة الخطر قبل ضخ الكمية الكافية من اللقاحات، لسد حاجة الفئات المستهدفة، وهذا من شأنه مضاعفة الضغط على الأنظمة الصحية الهشة أصلاً، كما ويوجه صفعة أخرى للاقتصاد العالمي وقطاعات النقل، التي تكابد كي تتجاوز آثار الفيروس التاجي؛ لذا ولأجل ذلك فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتبر أن تفشي مرض جدري القرود هو أمر «يجب أن يكون مصدر قلق للجميع»، وبدا عاجزاً عن التعامل مع المرض الذي ظهر بغتة عندما قال: «نبذل جهداً كبيراً لمعرفة ما سنفعله».

لا مناص أمام العالم من حشد الجهود العلمية والإمكانات المادية، على مستوى المنظمات والدول، لوضع حد للأمراض المنتشرة والقضاء عليها تماماً، ثم التفكير بوضع استراتيجية وقائية، تتصدى لأي مرض قد يصيب البشرية في مقتل؛ لذلك فإن الأولى بدلاً من حشد المدافع والطائرات، ومساندة الأوبئة في التقتيل وإضعاف مناعات الدول والشعوب، هو استفاقة الدول الكبرى عبر قيادة سفينة الشعوب نحو بر الأمان، لا إغراقها بصراعات بينية إلى جانب الأمراض الفتاكة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"