في وصف القارة السمراء

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

في أيام الرئيس حسني مبارك كانت مصر تتولى رئاسة كيان إقليمي لا يزال موجوداً، وكان اسم هذا الكيان هو «الاتحاد من أجل المتوسط»، وكانت رئاسته مشتركة بين مصر وفرنسا، وكانت فكرته تعود في جزء كبير منها إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي. 

وكان الهدف المعلن من وراء الاتحاد أنه شكل من أشكال التعاون الدولي بين دول شمال البحر المتوسط في أوروبا، وبين دول جنوب البحر في إفريقيا. 

صحيح أن عضويته كانت تتسع لدول من آسيا مثل سوريا ولبنان، ولكن النسبة الغالبة في دول عضوية جنوب البحر كانت من القارة السمراء، بدءاً من مصر في أقصى شرق القارة، إلى موريتانيا في أقصى غربها على المحيط الأطلسي. 

ولكن كلاماً آخر كان يدور همساً، وكان هذا الكلام عن أن هدف الاتحاد ليس التعاون في المطلق بين دول الشمال ودول الجنوب، ولكنه رغبة من دول الشمال في الحصول على الطاقة الشمسية المتوفرة بكثرة في دول جنوب البحر على امتداده. 

والواقعية في السياسة الدولية تقول بهذا المنطق وترجّحه؛ لأنه ليس من الممكن أن يقوم اتحاد إقليمي كبير من نوع «الاتحاد من أجل المتوسط»، ثم لا يكون وراءه هدف محدد تسعى دول الشمال بالذات إلى تحقيقه. وليست أوروبا بحاجة إلى شيء بحكم طبيعة طقسها البارد أغلب أشهر السنة، قدر حاجتها إلى طاقة تجلبها من أي مكان ومن أي مصدر، بصرف النظر عن طبيعة هذه الطاقة وعن نوعها. 

وإذا كانت دول شمال البحر قد سعت إلى القارة السمراء في سبيل الطاقة الشمسية، فلقد كانت هذه الطاقة مجرد ملمح من ملامح ثروات كثيرة تمتلكها القارة في باطن أرضها، أو فوق هذه الأرض، أو على شواطئها، وفي سمائها الواسعة. 

وقد كانت الصين أسبق دول العالم إلى إدراك ما في إفريقيا من ثروات، وكانت أسبق الدول إلى الاستثمار في استخراج هذه الثروات، ومن بعدها جاءت روسيا تزاحمها وتسابقها، ثم أفاقت الولايات المتحدة من بعدهما فجاءت تسابقهما، وجاء وقت على جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي، أعلن فيه أن بلاده وضعت استراتيجية متكاملة للوجود في إفريقيا. 

ولم تكن الجولة التي قام بها مؤخراً سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في أربع دول من دولها، سوى خطوة مضافة إلى مسيرة من العمل الروسي في القارة. لقد بدأ لافروف من القاهرة، ومنها انتقل إلى الكونغو، ثم إلى أوغندا، وأخيراً إلى أثيوبيا. 

ولم تكن صدفة أن تتوازى جولة رئاسية فرنسية مع الجولة الوزارية الروسية؛ لأنه في الوقت نفسه الذي كان فيه لافروف يتنقل بين عواصم الدول الإفريقية الأربع، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأتي في جولة موازية بادئاً من الكاميرون، ومارّاً بدولة بنين، منهياً الجولة في غينيا بيساو. 

ولا يمكن تفسير الجولة الفرنسية بأنها خطوة متجددة لإحياء النفوذ الفرنسي التاريخي في القارة وفقط؛ لأنها إذا كانت كذلك، ففيها جانب آخر أهم يتصل بحاجة باريس إلى كثير من الثروات الطبيعية التي تتميز بها هذه الدول الثلاث، وبالذات الكاميرون.

وعلى الرغم من غنى هذه القارة ومن ثرائها، فإنها كانت أكثر قارات الدنيا قلقاً، عند توقف تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود بتأثير من الحرب الروسية الأوكرانية، ولذلك فإذا جاز وصف القارة السمراء بكلمات قليلة، فهذه الكلمات هي أن إفريقيا قارة اكتشفتها الدنيا، ولكنها لم تكتشف نفسها بعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"