أبحرت سفينة الحبوب والأمل

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

شهد أول يوم في هذا الشهر، دخول اتفاق إسطنبول إلى حيز الخدمة، وتحويله من اتفاق مكتوب على ورق إلى خطوات عملية تمشي بأقدام على الأرض. 

أطراف الاتفاق الذي جرى توقيعه آخر الشهر الماضي هي روسيا، وأوكرانيا، وتركيا، والأمم المتحدة، وكان ينص على استئناف تصدير الحبوب، والأسمدة، والمنتجات الزراعية، من موانئ البحر الأسود إلى أنحاء العالم. 

وكانت هناك تخوفات واسعة من عدم قدرة أطراف الاتفاق على تنفيذه على أرض الواقع، ولكن العقل في الموضوع تغلب على ما سواه، واستطاع الطرفان الروسي والأوكراني الفصل بين الحرب الدائرة بينهما منذ الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، وبين قضية المنتجات المعطلة في موانئ البحر الأسود.. فهي منتجات يحتاجها العالم هذه الأيام بأكثر ربما مما يحتاج إلى أي شيء آخر. 

وفي أول أغسطس/آب أبحرت أول سفينة في مرحلة ما بعد الحرب، وكان إبحارها من ميناء أوديسا الأوكراني، وهي محملة بالحبوب، وكانت وجهتها إلى ميناء طرابلس اللبناني، وكان عليها أن تتوقف قليلاً في إسطنبول لتخضع لتفتيش يقوم به فريق يمثل الأطراف الأربعة.

وقد نقلت وكالة أسوشيتدبرس صورة للسفينة وهي مبحرة، فبدت وكأنها أمل يتهادى فوق الماء، أكثر منها سفينة تنقل الحبوب من ميناء إلى ميناء.. بدت كذلك لأن كثيرين كان قد استبد بهم اليأس من أن يطول تعطل المنتجات في موانئ البحر الأسود، وأن يؤدي تعطلها إلى مجاعة أو ما يشبه المجاعة في سماء العالم الذي يكتوي بنار الحرب التي دخلت شهرها السادس في ٢٤ يوليو. 

وللحقيقة.. فإن أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، كان هو أعلى الأصوات على ظهر الأرض تحذيراً من عواقب عدم فتح موانئ البحر الأسود أمام حركة الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة، وكان لا يتوقف في كل مناسبة عن الدعوة إلى فتح طريق آمن أمامها. 

ولا نزال نذكر أن الرجل كان في مرحلة من مراحل الحرب قد بادر بزيارة إلى روسيا، ثم إلى أوكرانيا، وقد كان يأمل بالطبع في أن تقود زيارته إلى وقف الحرب، ولكن الوضع في الميدان كان أقوى منه، وإذا كانت الزيارة في وقتها قد هيأت الأجواء ولو قليلاً لتوقيع هذا الاتفاق الرباعي، فهذا بطبيعة الحال يكفيها. 

وليست هناك جهة دولية تعرضت للانتقاد الشديد في مراحل الحرب المختلفة، كما تعرضت منظمة الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك، وقد كان الانتقاد الذي تعرضت له على قدر الأمل الذي كان يحدو الناس في أن تقوم بدور في وقف الحرب بأي طريقة. 

كانت هذه المنظمة الدولية الأم تحاول طول الوقت، ولكن محاولاتها لم تكن لها حصيلة، وكانت في كل مرة تكتشف أن عينها بصيرة ويدها قصيرة. 

كان الذين ينتقدونها يتصورون أنها قادرة على جلب المنِّ والسلوى للعالم، ولم يكن هذا صحيحاً في كل الأحوال، لأن أي منظمة، سواء كانت إقليمية أو دولية، إنما تساوي بالضبط ميثاقها الحاكم لحركتها، وليس سراً أن ميثاق الأمم المتحدة لا يعطيها الكثير منذ نشأتها قبل أكثر من سبعة عقود إلى اليوم. 

ولا تمر مناسبة تأتي فيها سيرة للأمم المتحدة، إلا وتكون المطالبات بتعديل ميثاقها على رأس الموضوعات المطروحة في هذه المناسبة، وإلى أن يحدث التعديل المنتظر، يكفي المنظمة أنها ساعدت في إطلاق سفينة الحبوب من أوديسا، وأطلقت معها بعضاً من الأمل. 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"