نحلة لكن ناقدة أدبية

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

يوسف أبولوز

بعض الكتابات تجعلك تريد أن تلتهمها كما لو أنها طبق من طعام شهيّ، غير أن الكتابة ليست لحوماً وخضراوات، بل هي حروف تكوّن كلمات، وكلمات تكوّن معنى، ومعنى يكون لياقة وذائقة وخفة دم.

اقرأ معي هذا الوصف الذي كتبه الشاعر هنري كول:«ولد في اليابان، أمّه فرنسية وأبوه أمريكي..» وأظنّني عرّفت به قبل ذلك في مادة كتبتها حول كتابه اللذيذ «باريس الأورفيّة - السياحة الأدبية في باريس»، ولكنني جائع دائماً إلى كتابات من هذا النوع. اقرأ ما كتبه كول عن شتاء باريس يقول: «شتاء لطيف أَلْهَمَ الخضرةَ في باريس أن تستيقظ مبكراً، منذ شهر شباط وأشجار البرقوق والكرز واللوز تزهر في فرنسا وبراعم على أشجار البندق تنشر حبوب الطلع في الريح..»، انتهى الاقتباس، ترجمة: أماني لازار.

عدا عن كون هنري كول قد فتح نفسك الآن على تناول شيء من الكرز والبندق والبرقوق، فهو يصرّح بأنه «نحلة». يقول «بصفتي شاعراً أنا نحلة عاملة إلى جانب نحلات عاملات أخريات يعملن على تأييض اللغة وتحويلها مثل الرحيق إلى شعر».

يعرف هنري كول في مملكة النحل ربما أكثر مّما يعرف في الشعر، ولكنه يقارب دائماً بين عمل النحل وعمل الشاعر أو عمل الناقد الأدبي، فهو يصنّف لنا النحلات بحسب وظيفة كل نحلة، ولكنه يوجّه تركيزنا على نحلة بعينها وهي الحارسة، وهذه تشبه، كما يقول، الناقد الأدبي أو مراجع الشعر.

وما أجمل أن تراجع شعرك نحلة تشبعه بالعسل لا بالبلاغة الحجرية والمصطلحات اللغوية الخمسينية والستينية.

قبل سنوات طلبت منّي إحدى المؤسسات الثقافية في بلد عربي في ما إذا كان لديّ مخطوطة شعرية أنوي نشرها. وتكفّلت المؤسسة بطباعة المجموعة، وحين صدورها، فوجئت بمذابح عروضية في النصوص الشعرية التي قام مُراجع الشعر بقلب أو تغيير مفردات بأكملها من دون أن يعرف أن تغيير الكلمة يستتبع تغيير الوزن الشعري بالضرورة.

أن تصحّح شعرك نحلة هي فكرة مجازية بلا شك، فالنحل لا يعرف العروض، ولكن ما يعرفه القارئ جيداً أن اللغة يمكن أن تتحوّل على يد ذوّاقة إلى كرز وبرقوق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/578j768m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"