عادي
فنانة مزجت بين البساطة والواقعية

إليزابيث باومان ترسم الأمل لجندي جريح

14:59 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: عثمان حسن
آنا ماريا إليزابث يريشاو باومان هي رسامة دنماركية بولندية المولد، عاشت بين عامي (1819 و 1881) تدربت في أكاديمية دوسلدورف الرائدة في ألمانيا. انتقلت إلى روما، والتقت في 1849 بزوجها النحات جنس أدولف جيريكاو الذي أصبح أستاذاً في الأكاديمية، انتقل الاثنان إلى كوبنهاغن، حيث كافحت إليزابيث من أجل قبولها في الأوساط الفنية الدنماركية، وكانت رحلة شاقة بالنسبة لها، أولا كونها امرأة وثانيا، بسبب جذرها الألماني من جهة والدتها ما أعاق شعبيتها لسنوات، لكنها في النهاية تمكنت من فرض اسمها في الساحة الفنية، بما قدمته من أعمال تجسد الهوية الوطنية الدنماركية، كامرأة بطلة تحيي ذكرى انتصارات بلدها على ألمانيا خاصة في حرب «شليسفيغ» الأولى (1848-1850).
فرضت أعمال إليزابيث بومان في الداخل والخارج تأكيدها كفنانة ذات حساسية خاصة، فقد جذبت الانتباه إليها كرسامة بورتريه للملوك الدنماركيين.. لكن القفزة الهائلة في أعمالها الفنية جاءت من خلال لوحة (جندي دنماركي جريح) التي أنجزتها في 1867، وهي اللوحة التي اشتراها المتحف الوطني الدنماركي، كما عرضت في لندن، بطلب خاص من الملكة فيكتوريا مع مجموعة أخرى من أعمال خاصة، اللوحة التي جسدت من خلالها الكاتب والشاعر الدنماركي هانس كريستيان أندرسن في 1850، وأيضا لوحاتها التي جسدت حوريات البحر والأخوة جريم وغيرها.
*مشهد
يبرز مشهد اللوحة جندي دنماركي مصاب، ويظهر في الصورة امرأة شابة، تقرأ لهذا الرجل الملتحي طريح الفراش من أجل مواساته وهي تمسك بيده بحنان، بينما يظهر الجريح وهو في غاية الحزن ويوجه وجهه نحو المشاهد، أما الوردة على طاولة السرير فترمز إلى الحب والأمل.
بذلت الفنانة اليزابيث جهدا واضحا في استثمار الحادثة التاريخية التي استلهمتها من حرب «شليسفيغ الثانية» بين الدنمارك وألمانيا، بهدف إبراز الحس القومي الدنماركي عندها.
والمشهد المرسوم يبرز بوضوح ما يعانيه هذا الجندي من آلام، جراء إصابته البالغة، حيث تواسيه خطيبته أولاً من خلال القراءة، وثانياً من خلال لمس يده بحنان، ويبدو الجندي في حالة شبه فقدان للوعي، وذلك يظهر من خلال ملامح وجهه الشاحب الذي يشيح بعيداً عن وجه خطيبته، ليس عن قصد، بل لأنه يرزح تحت قسوة الأوجاع المبرحة.
تظهر الفنانة إصرار خطيبته على دفعه خارج بوتقة الالم، واستدراجه بلطف وحنان نحوها، بل إلى فسحة أكثر إشراقا ومواساة، وفرجة أمل بالشفاء واستئناف الحياة من جديد.
في المشهد الرسوم، يجلس الإثنان الخطيبة والجريح بجانب نافذة، تطل على مشهد أخضر، في إيحاء صريح إلى قرب انتهاء أزمة خطيبها وتماثله للشفاء، ومن جهة أخرى الأمل بنتيجة الحرب والانتصار على الألمان.
يظهر في اللوحة ذلك الأسلوب اللافت الذي عرفت به الفنانة من حيث استثمارها لقوة اللون وحساسيته، وأيضا لمزجها بين البساطة والواقع بحرفية بالغة الدقة.
*خلفية
شبّه نقاد الفن هذه اللوحة بلوحة «غرنيكا» لبابلو بيكاسو، في إدانتها السلمية لجرائم الحرب، كذلك هي اليزابيث بومان التي هدفت إلى سرد حياة بلدها الدنمارك وتبنت هذه القضية من دون أن تنسى رعب الحرب، كما هو الحال تماما في الشعر الصاخب للكاتب الألماني ثيودور فونتان (1819 – 1898) الذي احتج على النزعة العسكرية المتزايدة في بروسيا حين كتب عن حرب «شليسفيغ الثانية».

وحرب «شليسفيغ الثانية» اندلعت أول فبراير في عام 1864، بين ألمانيا والدنمارك بعبور القوات الألمانية الحدود إلى داخل دوقية «شليسفيغ»، وقد حاربت الدنمارك كلاً من ألمانيا والنمسا، وكحال حرب «شليسفيغ الأولى» (1848 – 1851) خيضت هذه الحرب بسبب النزاع على دوقيتي «هولشتاين ولاونبورغ»، وانتهت بضم دوقية «شليسفيغ» إلى المملكة الدنماركية في 1852.
*مكانة دولية
نحتت إليزابيث باومان لنفسها مكاناً في تاريخ الفن الأوروبي بلوحاتها التي تجسد نساء شرقيات، لكنها قدمت هذه الرسومات بنظرة مختلفة، تحترم المرأة، ولم تتأثر بالنظرة الاستشراقية الأوربية في كثير من الرسومات التي نفذها فنانون خاصة في مصر وتركيا وأظهرت المرأة بصورة حسية لا غير.
تميزت إليزابيث بومان بشخصية مستقلة فرضت احترامها على الغير، فتميزت وسط زملائها الذكور، وبدأت تتسابق على أعمالها المتاحف الأوروبية واكتسبت سمعة دولية لأسلوبها المميز في الرسم في ألمانيا، وإيطاليا ولندن وتركيا ومصر. وبنت لنفسها مكانة فنية دولية، وصارت أعمالها تسوق على نطاق عالمي خاصة التي رسمتها للنبلاء والعائلات الملكية، مثل الملكة فيكتوريا، والكسندر الثاني قيصر روسيا وغيرهم.
* لوحة وقصيدة
في 2 إبريل 1868، قدمت إليزابيث بومان إحدى لوحاتها على شكل حورية البحر إلى الشاعر هانز كريستيان أندرسن كهدية عيد ميلاد، وقد شكرها أندرسن بقصيدة صغيرة في رسالة قال فيها: أنت سيدة روعة الألوان! / روح وضعتها في عيون حورية البحر / غمزة منك كقوة الروح.
*إطراء
في تعليقه على سيرتها الفنية، قدم المؤرخ الفني بيتر نورجارد لارسن شهادة في أعمالها، فأكد تميزها كفنانة عالمية حقيقية، حيث تظل إليزابيث بومان وفية لأسلوبها الخاص، و قال: « في هذه الأيام، نتحدث كثيراً عن الهجرة، وما يحدث عندما تنتقل من ثقافة إلى أخرى. ماذا تأخذ معك؟، وماذا يحدث عندما تقابل ثقافات أخرى وتقاليد أخرى؟ ما هو نوع الفن الذي ينشأ عن مثل هذه المواجهات؟ إن إليزابيث باومان هي مثال ممتاز لكيفية ظهور شيء جيد منفتح على دوافع جديدة، كما فعلت عندما سمحت للجديد والمختلف بالتأثير على فنها، وتطور أعمالها وترسيخ هويتها كفنانة مبدعة».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9ykksj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"