نجاح الغزو الثقافي

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

هناك فئة من المفكرين ترفض مصطلح (الغزو الثقافي)، لأن فعل الغزو غير متوفّر، بمعنى انعدام نوايا جهات أو مؤسسات عالمية لتصدير ثقافة تحمل ملامح معيّنة تهدف إلى إلحاق الضرر بالمجتمعات الأخرى، وتعتقد هذه الفئة بأن هذه الثقافات موجودة في الأصل، وساعد على انتشارها ظهور إعلام جديد جاء نتيجة ثورة في الاتصال وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات حملت معها وسائل جديدة في البث التلفزيوني والمعلوماتي أو ما سُميت بالفضائيات، وفتحت المجتمعات الأخرى فضاءاتها وسمحت باستقبال المحتوى القادم، وليس ذنبها إن تأثّرت المجتمعات بالمحتوى تأثراً سلبياً، والذنب كله يقع على المجتمعات غير المؤهلة للتلاقح الثقافي، وغير المحصنة قيمياً وثقافياً وفكرياً، وبالتالي لا يوجد شيء اسمه الغزو الثقافي.

وهناك فئة أخرى تؤمن بنظرية المؤامرة، ولديها شواهد وأدلة على وجود نوايا لاستباحة المجتمعات وتدمير منظوماتها الأخلاقية والقيمية، ونشر قيم دخيلة على نسيج الأسرة والمجتمع، وتعتقد بأن الأمر يتجاوز التلاقح الثقافي بين الحضارات نحو زلزلة ثوابت المجتمعات الأخرى، لتخريب ثوابت المجتمعات التي تصنع المحتوى الذي غالباً ما يتناقض مع قيم الأسرة المحافظة، والفرق بين تلك المجتمعات المصدّرة للمحتوى والمجتمعات المستقبلة يكمن في استعداد الأولى للتعامل مع الظواهر الشاذة وقدرتها على امتصاصها، على الرغم من رفضها للكثير من السلوكيات، ويتصدى لذلك المفكرون والإعلاميون والمتحدثون الجماهيريون. بينما المجتمعات الأخرى لا تزال تستهجن أو ترفض أو تتماهى أو تستلذ بالظواهر، كل حسب تربيته وتوجهاته وانتمائه الفكري والعقائدي.

إن ما يدفع أصحاب نظرية المؤامرة إلى الاعتقاد بوجود غزو قيمي، وليس ثقافياً، هو الإعلام الجديد المتمثّل في وسائل التواصل الاجتماعي، وشركات الإنتاج الدرامي العملاقة. فالأولى فتحت فضاءاتها لكل ما هبّ ودبّ لإنشاء حسابات شخصية، حقيقية ووهمية، وأخذ يعبث بالكتابة ونشر الأخبار المغرضة، وسمحت بعرض محتوى كان يُتداول سراً ويعاقب عليه القانون، مثل الأفلام الإباحية بمختلف أنواعها، والتشجيع على المثلية ومآلاتها لدى الجنسين، من دون أدنى تدخل في الحذف أو المنع أو المصادرة أو إقفال الحسابات، وعدم محاربة هذا المحتوى يدل على رضا تام من إدارات تلك الوسائل، بينما تحذف تلك الإدارات وتقفل حسابات أشخاص بتهمة التحريض على الإرهاب، وخاصة إذا تعلّق الأمر بالمساس بالسامية. وعلى ذكر الإرهاب، يذكر جمهور وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعد المليارات، كيف أن هذه الوسائل كانت تسمح بنشر مقاطع دموية لتنظيمات متشددة إرهابية، وكانت مقاطع مؤذية على أكثر من صعيد، إنساني وأخلاقي وديني، وعلى الرغم من ذلك أبقت عليها لتنفذ سياسة تتماهى مع أهداف التنظيمات الإرهابية لنشر الذعر والتخلف وتشويه المعتقدات.

ومن ضمن المحتوى المرفوض نشر الأعمال المتضمنة مشاهد عنف واغتصاب، حتى أن كثيرين باتوا يتابعونها بمتعة، وهو أمر مستهجن ويقع ضمن الغزو السلوكي والنفسي وتحبيب الجريمة لدى المشاهد.

إن ما يدعو للأسف اليوم هو الشعور بنجاح الغزو الثقافي؛ بل وباتت مؤسسات إعلامية تروج للظواهر الشاذة والحالات المرضية، مثل المثلية وغيرها، تحت ستار الحرية الشخصية، وأخطاء التربية منذ الصغر. ومن مظاهر نجاح الغزو القيمي اختفاء الخجل عن وجوه فئة من الرجال والنساء، والمجاهرة بأنها أو أنه (هكذا)، من دون رادع اجتماعي وأمام السلطات المختصة. وأستثني هنا دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج بشكل عام، التي تطبق قوانين الجرائم الإلكترونية ولا تسمح بنشر الابتذال والمجاهرة بالفلتان، وتمنع حتى التنمّر والإساءة الشخصية للآخرين، وهذا يسهم بشكل رئيسي في الاستقرار الاجتماعي، لكن ما يؤسف له الفلتان الإعلامي في دول أخرى تدعي محاربة الغزو الثقافي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vn75e35

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"