أما آن للّيل أن ينجلي؟

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

في الوقت الذي تتكثف فيه جهود كثير من دول العالم، على طريق تنسيق الجهود وتعزيز التعاون، استعداداً لما ستفرزه التحولات الدولية الكبرى الجارية، وبخاصة بعد الانعكاسات التي أفرزتها جائحة «كورونا»، ثم الحرب في أوكرانيا، ظهر أن هناك رغبة جامحة لعدد من القوى الدولية الكبرى للاستئثار بأدوار أكثر أهمية وحضوراً ضمن ميزان النظام الدولي الذي بدأت ملامحه في التشكل مع الطموحات التي بدأت تعبر عنها كل من روسيا والصين في هذا الخصوص.

لقد كشفت جائحة «كورونا» وضمن تداعياتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، أن مواجهة المخاطر العابرة للحدود في عالم اليوم، تقتضي بشكل أساسي، بلورة جهود على قدر من التنسيق والتعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي، سواء تعلق الأمر بالانعكاسات الآنية أو المستقبلية، فيما طرحت أيضاً أهمية ضمان الاكتفاء الذاتي في عدد من المجالات، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق بشكل فعّال إلا في ظل تكتلات قوية.

ومع الحرب الروسية الأوكرانية، تبين مرة أخرى أن خيار التكتل هو المدخل الكفيل بتحقيق الأمن الاستراتيجي للدول، مع عودة البريق للقوة العسكرية، وإحياء سياسة الأحلاف العسكرية، وارتفاع أسعار النفط، وتزايد المخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي.

وضمن هذه المتغيرات، يبدو أن دولاً عربية لم تكن مرة أخرى في الموعد؛ ذلك أنها لم تستفد قط من التجربة القاسية التي كانت ضحية لها في أعقاب نهاية الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق، بعدما انتشرت النزاعات والحروب والأزمات في المنطقة كالنار في الهشيم، بدأت بحرب الخليج الثانية وتفجّر الأوضاع في الصومال والسودان.. وتراجع أداء جامعة الدول العربية، ونفس الأمر بالنسبة لتكتلات فرعية أخرى كالاتحاد المغاربي الذي بدا جامداً على الرغم من المقومات البشرية والطبيعية والاقتصادية المتاحة.

لم تحل الإشكالات والأزمات المختلفة التي واجهت عدداً من التكتلات الدولية الكبرى كالاتحاد الأوروبي، من دون تطوير الأداء، بعدما تم تجاوزها بعزيمة كبرى، اقتناعاً بأن التفريط في المكتسبات التي تحققت على امتداد عدة عقود في هذا الشأن، هو بداية للعودة إلى جحيم الحروب وأجواء الكراهية والانتقام، ما جعل الحرص على تشبيك المصالح ونبذ الخلافات رهاناً أساسياً، لتحصين المستقبل.

وفي المنطقة المغاربية، وعلى الرغم من المحطات القاسية التي مرت بها، ما زال الهدر هو سيد الموقف، ما يجعل المستقبل مشوباً بالمخاطر والكثير من الأسئلة المقلقة، فهذه الدول التي تمتلك إمكانات متاحة، ما زالت تعيش على إيقاع التشتّت والفرقة، على الرغم من إبرام اتفاقية مراكش في عام 1989 التي أنشئ بموجبها الاتحاد المغاربي الذي يراوح مكانه.

وتتزايد المخاوف من أن تتدهور العلاقات المغربية – التونسية، بسبب استضافة زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، للمشاركة في أشغال القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني - الإفريقي (تيكاد)، التي احتضنتها تونس يومي 27 و28 أغسطس/ آب 2022.

لم تتوقف الدعوات التي تطلقها الكثير من قوى المجتمع المدني إلى جانب المثقفين والفنانين والرياضيين عن الحث على طي الخلافات المغاربية، واتخاذ قرارات، تعكس توجهات شعوب المغرب الكبير، نحو إرساء فضاء مفتوح ومتلاحم ومتشابك المصالح، غير أن رياح الأحداث وتسارعها ما زالت تهبّ ضد ما تتمناه شعوب المنطقة.

لقد اشتدّت حدّة الأزمات المتلاحقة في الفضاء المغاربي، وأصبحت هناك حاجة جدّ ماسة إلى أصوات عاقلة ونخب مسؤولة توقف النزيف وتجهر برفض هذا الواقع المزري. إن هذا الوضع المرّ أصبح يسائل الجميع، ويفرض وقفة رجل مغاربي واحد، بخاصة مع تنامي الخطابات التصعيدية، في تجاهل تام لكل الروابط الحضارية والدينية والتاريخية التي تجسّد المشترك بين شعوب المنطقة.

تفرض الأزمة الحالية في العلاقات المغربية – التونسية، بذل كل الجهود لاحتوائها، بما يضمن المصالح الاستراتيجية للبلدين؛ بل وتحويلها إلى فرصة لتمتين وتعزيز هذه العلاقات، وتوفير شروط بناءة قد تفضي إلى لملمة الجراح المغاربية، عبر استثمار كل الإمكانات والطاقات المتوافرة لانتشال المنطقة من حالة الهدر والصراع التي تعمقت بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2frj979k

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"