ثالث امرأة في «10 داونينغ ستريت»

00:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

فازت ليز تراس برئاسة الحكومة البريطانية، خلفاً لبوريس جونسون، فصارت ثالث امرأة تدخل «10 داونينغ ستريت»، بعد تيريزا ماي، ومارغريت تاتشر. ولا يزال «10 داونينغ ستريت» في عاصمة الضباب، هو أشهر مقر للحكم في العالم، ولا بد أنه لا ينافسه مقر آخر من نوعه سوى البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وليس هناك رئيس حكومة في بريطانيا، إلا ويتعمد الوقوف أمام «رقم 10» على باب المقر، كلما جاءه ضيف أجنبي يزور البلاد، فإذا التقطت الصحافة صورتهما يتصافحان ظهر الرقم خلفهما واضحاً كل الوضوح، فيعرف المتطلع إلى الصورة أن هذا هو مقر الحكم في بلاد الإنجليز، وأن هذا الشخص الذي يقف في يسار الصورة هو رئيس الوزراء البريطاني، وأن الشخص الذي في يمينها هو الضيف الأجنبي.

ومن فرط شهرة العنوان في لندن، ومن شدة إعجاب تاتشر بشهرته، فإنها عندما كتبت مذكراتها لم تجد أفضل من هذا العنوان تجعله على صدر المذكرات، ولم تجد أحسن منه لتعبر به عن يوميات 11 سنة ونصف السنة قضتها في رئاسة الوزراء.

صدرت مذكرات رئيسة الحكومة السابقة في مجلد ضخم يقترب من الألف صفحة، وجاء عنوانها كالتالي: «سنوات 10 داونينغ ستريت».

وقد اشتهرت تاتشر بأنها «السيدة الحديدية»، وبأنها أنقذت اقتصاد بلادها من مشكلات ضخمة كانت تعترض طريقه، وكانت بطبيعتها تميل إلى القطاع الخاص، ولا ترى وجوداً للقطاع العام في الاقتصاد، إلا لضرورة من ضرورات الأمن القومي في البلاد، ومن المعاني المهمة التي سجلتها في المذكرات، أن القطاع الخاص تراقبه الدولة، وأن القطاع العام لا يراقبه أحد.

وهي لا تنكر في الصفحات الأولى من المذكرات أنها تأثرت في فكرها الاقتصادي بعقلية والدها الذي كان يعمل بقالاً، وتقول إنه في عمله كان دائم المقارنة بين ما ينفقه على بقالته، وبين ما يأتيه من عائد من ورائها، وأنه كان يرى أن الإنفاق إذا زاد على العائد، فإن إغلاق المشروع هو القرار الصحيح.

ومن الواضح مما قرأناه عن تراس منذ ظهر اسمها بين المرشحين لخلافة جونسون، أنها أقرب إلى تاتشر منها إلى ماي، وأنها شديدة الإعجاب بالأولى لا الثانية، وليس أدل على ذلك إلا أنها قامت بدور تاتشر في مسرحية عندما كانت لا تزال تلميذة في المدرسة.

كان ذلك في عام 1982، وكانت هي في السابعة من عمرها، وكانت تاتشر في الحكم، وهذا يعني أن إعجابها بالمرأة الحديدية إعجاب مبكر، وأنها منذ مرحلة مبكرة في حياتها كانت تتطلع نحوها باعتبارها قدوة لها، وكانت في لا شعورها تتمنى فيما يبدو أن تصير يوماً في مكانها.

وقد دار الزمان دورته، لتجد نفسها تذهب إلى لقاء الملكة اليزابيث في مقرها الصيفي، ثم لتجد نفسها وهي تتسلم مفاتيح العنوان الشهير، الذي لن تعمل فيه فقط، لكنها كذلك ستقيم في الطابق الثاني من المبنى، الذي يضم طابقين: واحد لعمل رئيس الحكومة وآخر لإقامته.

ولكن الإعجاب من جانبها بتاتشر في تلك الأيام البعيدة، كان إعجاب طفولة إذا جاز التعبير أكثر منه أي شيء آخر، لأنها يومها كانت طفلة صغيرة تتطلع بزهو إلى امرأة كانت توصف بأنها امرأة حديدية، ليس فقط في بريطانيا، لكن في أنحاء العالم على امتداده.

اليوم سيكون عليها أن تتصرف في موقع المسؤولية، وسوف يكون عليها أن تتحول بالإعجاب المبكر من شيء كان يراود خيالها إلى عمل يراه مواطنوها منها، وليس هذا سهلاً على كل حال، لأن بريطانيا ليست هي بريطانيا التي حكمتها تاتشر، ولا العالم الذي عاشت فيه هو العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kt2tdw7z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"