احمد مصطفى
مع الهجوم الأوكراني المضاد على القوات الروسية، مدعوماً بالمساعدات الأمريكية والغربية، تبدو الحرب في أوكرانيا مستمرة إلى أجل غير مسمى. وزاد من احتمال استمرار الحرب لأطول مما كان متوقعاً القرار الروسي بوقف ضخ الغاز إلى أوروبا عبر أحد خطوط الأنابيب الرئيسية، وكذلك عزم الغرب فرض سقف سعر على صادرات النفط والغاز الروسية.
في البداية، كانت أغلب التحليلات تتجه إلى خلاصة أن الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاءهما في الغرب، يدفعون نحو استمرار الحرب بغرض استنزاف روسيا. ذلك أن التصور الأولي كان أن العقوبات الفورية غير المسبوقة على موسكو ستؤدي إلى شلل تام في الاقتصاد الروسي، وبالتالي تأليب الشعب على حكومته، والإطاحة بالرئيس فلاديمير بوتين.
وذلك لم يحدث، وتمكنت روسيا من الصمود إلى حد كبير في وجه العقوبات نتيجة استعدادات سابقة بدأت العمل عليها منذ فرض الغرب عقوبات سابقة على موسكو عقب ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014. بل إن تلك العقوبات أدت إلى تضرر الاقتصادات الغربية وبقية العالم، بشكل لم يكن متوقعاً أن يحدث بهذه الدرجة، خاصة في ما يتعلق بالطاقة والغذاء. ويبدو أن القيادة الروسية تحاول استخدام السلاح نفسه، الضغط الاقتصادي، في صراعها مع الغرب الذي ترى أنه لا يمكن أن يتحمل فقدان واردات الغاز الروسية، ولا خسارة سوق النفط العالمية صادرات روسيا من الخام والمشتقات المكررة.
وبينما كان هدف إطالة أمد الحرب هو استنزاف روسيا، أصبح الاستنزاف الآن متبادلاً، مع تركيز موسكو على استنزاف الغرب أيضاً. من هنا تأتي أهمية الاتفاق الروسي – الصيني قبل أيام على أن يتم حساب عائدات الصادرات الروسية من الغاز والنفط إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بالين والروبل، بدلاً من الدولار.
ولو أن ذلك الاتفاق كان في وقت آخر، غير وقت الحرب الأوكرانية والصراع مع أمريكا والغرب، لما كان له ذلك التأثير.
أما الآن، فهو يأتي في إطار محاولة روسيا تعميق التعاون مع دول خارج المنظومة الغربية، مثل الصين والهند، وغيرهما، بهدف ما تصفه موسكو بأنه «كسر للهيمنة الأمريكية» والسلوك الاستعماري الغربي. وربما يعني ذلك أن القيادة الروسية غيرت استراتيجيتها من «عملية عسكرية خاصة» سريعة في أوكرانيا تسيطر فيها على مناطق كثيفة السكان الروس في الشرق وجنوب الشرق، إلى صراع مفتوح مع الولايات المتحدة وأوروبا، والغرب عموماً.
لن يكون صراع حرب الاستنزاف، الاقتصادي بخاصة، أمراً سهلاً، ولا حتى يسهل توقع مساره، فالاقتصاد الروسي، وإن كان تمكن من تفادي الانهيار السريع والمفاجئ تحت وقع العقوبات في البداية، يتضرر بشدة من استمرار تلك العقوبات. ومن غير الواضح قدرة موسكو على الاستمرار من دون أزمات اقتصادية خانقة تكون لها تبعات سياسية واسعة، حتى مع تعزيز العلاقات مع قوى أخرى صاعدة.
وفي الوقت نفسه، يحتاج استنزاف روسيا للغرب اقتصادياً، خاصة في ما يتعلق بالطاقة، إلى استمرار الصراع، وبالتالي الحرب في أوكرانيا، إلى نحو عامين. مع الأخذ في الاعتبار قدرة الغرب على التكيف مع المتغيرات والمرونة التي تتمتع بها الاقتصادات الرأسمالية الراسخة في مواجهة الأزمات.
من هنا تكون الإجابة عن السؤال في العنوان في غاية الصعوبة، بمعنى أنه لا يبدو حتى الآن من «يستنزف» الآخر إلى حد كسب صراع الاستنزاف هذا، إنما الأمر الأكيد أن هذا الاستنزاف المتبادل بين روسيا والغرب له آثاره الجانبية في دول العالم أجمع، تقريباً.
والعامل الحاسم في مدى صراع الاستنزاف هذا سيكون الأطراف الأخرى، خاصة الصين التي يعاني اقتصادها تباطؤ النمو، ولا تريد مزيداً من العقوبات الغربية التي قد تضعف نمو اقتصادها أكثر.
أما الأطراف الأخرى في المعسكر الآخر فالمقصود بها أوروبا، التي ليست على قلب رجل واحد في التزامها بالمسار الأمريكي/البريطاني في الصراع مع روسيا، رغم ما يبدو من «وحدة الصف» الحالية. ولطالما كانت استراتيجية بوتين للنفاذ إلى أوروبا تعتمد على تعميق تلك الخلافات فيما بين دولها وخلافات القارة ككل مع أمريكا وبريطانيا. وستظهر الأشهر القادمة صلابة ذلك التحالف الغربي «الموسع» في دعم أوكرانيا واستنزاف روسيا. وفي ضوء النتيجة سيكون مدى الصراع، والحرب في أوكرانيا، أقرب للتوقع.