مستقبل القطبية الأحادية

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

ترددت عبارة الأحادية القطبية في مناسبات عديدة طوال العقدين الماضيين.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي اعتقد بعض المفكرين الغربيين أن الهيمنة الأمريكية على العالم قد تكرست للأبد وحتى نهاية التاريخ. لكن كان ذلك الطرح الذي قال به فرانسيس فوكوياما عاطفياً إلى درجة بعيدة، بينما قدم أستاذه صامويل هنتنغتون طرحاً مغايراً يرتكز على فكرة الصدام الثقافي بين الحضارات ودوره في تشكيل النظام العالمي.

ويستبعد هنتنغتون هنا عامل الأيديولوجية أو القومية كسبب مباشر لحروب المستقبل. ويحدد أهداف معارك الهيمنة في هزيمة الآخر الثقافي وليس القومي أو الأيديولوجي. وفي هذا الإطار حدد طيفاً واسعاً من الثقافات كعدو مفترض للهيمنة الأمريكية على العالم ومن بينها الثقافة اليابانية والأرثوذكسية والإفريقية والبوذية والإسلام. ومن بين هذا الطيف الواسع اعتبر هنتنغتون أن الإسلام سيكون هو بؤرة الصدام القادمة مع القوة الأمريكية المهيمنة.

واكتسبت هذه النظرية بعض القبول خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لكن نقاداً كثيرين اعتبروا الفكرة تبسيطية ولا تستند إلى أساس. فهجمات سبتمبر قامت بها مجموعة إرهابية معزولة، وهي تندرج تحت قائمة العمل الإرهابي ولا تمثل بأي حال من الأحوال كياناً جيوسياسياً موحداً أو امتداداً لكيانات من هذا النوع تكون متماثلة في اتجاهاتها الفكرية.

وفي الواقع فإنه لا يوجد حتى الآن كيان يملك وحدة الهدف والقوة المكافئة لمصارعة القوة العظمى على مقعدها في القيادة العالمية. وذكر نقاد أن اعتبار الإسلام العنصر الأساس في صراع الهيمنة المستقبلي كان رأياً متهوراً من هنتنغتون.

وفي المقابل فقد برزت قوى عالمية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق تحوز عناصر القوة العسكرية والاقتصادية المكافئة وتشكل تهديداً علنياً لنظام الأحادية القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى عكس ما توقع هنتنغتون فإن هذه القوى الجديدة تستند إلى مرتكزات القومية والأيديولوجية وليس العنصر الثقافي في صراعها لإنشاء عالم متعدد الأقطاب يكون بديلاً لنظام القطب الواحد.

وخلال قمة شنغهاي الأخيرة دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ لإعادة تشكيل النظام الدولي الحالي وإقامة نظام متعدد الأقطاب يكون أكثر إنصافاً وعقلانية. وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بروز مراكز قوى جديدة يتعاظم نفوذها باستمرار على مسرح السياسة الدولية.

وتمثل الحرب الجارية في أوكرانيا حالياً وتزايد عمليات الشد والجذب وعض الأصابع بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان والمعابر البحرية، أحد فصول الصراع الدائر بين القوى القومية الأيديولوجية المعادية لنظام الأحادية القطبية والساعية لاستبداله من جانب، والولايات المتحدة المدافعة عن هذا النظام الذي يحفظ مصالحها ومصالح شركائها من الجانب الآخر.

ويبقى مستقبل القطبية الأحادية رهناً بتطورات الصراع الذي بات مفتوحاً بين معسكر الولايات المتحدة ومجموعة حلفائها من أنصار الأيديولوجية الليبرالية والنيوليبرالية والتجارة الحرة، وبين معسكر القوميين والاشتراكيين، المكون بشكل أساسي من الصين وروسيا والحلفاء ذوي المصلحة مثل كوريا الشمالية وبعض دول الاتحاد السوفييتي السابق والعديد من جمهوريات أمريكا الجنوبية، والقوى الوسيطة مثل الهند.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc2bwau4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"