عادي

مريم الشحي .. مبدعة تعيش داخل الكتابة

قناديل إماراتية

00:31 صباحا
الصورة
  • تكتب روايات تتعطر برحيق الشعر علاء الدين محمود

علاء الدين محمود
في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

على الرغم من حداثة تجربتها في الكتابة الإبداعية على مستوى الرواية، إلا أن الكاتبة الإماراتية مريم مسعود الشحي استطاعت أن تفرض نفسها على المشهد الثقافي والسردي داخل الدولة، وذلك من خلال نصوص روائية بمواضيع متعددة ومختلفة، استطاعت من خلالها الكاتبة أن تقدم رؤى اجتماعية وثقافية، ومن خلال تلك الأعمال التي قدمتها الشحي، يلاحظ القارئ ذلك الشغف الشديد لدى المؤلفة بالكتابة والسرد بأساليبه وأدواته المتنوعة، وربما ذلك ما دفع الشحي إلى وصف نفسها بأنها «ابنة الرواية البارة»، وتلك الكلمات تشير إلى مقدار انتمائها بل انحيازها إلى السرد الروائي والجهد الإبداعي المبذول فيه، وما هو مهم أن الكاتبة ظلت باستمرار تتطور من نص إلى آخر على مستويات الأساليب والأدوات، لتكون تجربتها بالتالي رصيداً يضيف للحراك الإبداعي الإماراتي.

منذ وقت باكر بدأت علاقة الشحي بالأدب، ويبدو أن علاقتها مع القراءة مختلفة عن كثير من الأدباء الذين كان الطريق أمامهم ممهداً بوجود مكتبات في منازلهم، فعلى العكس من ذلك نشأت الشحي في أسرة تمتلك مكتبة، أو كما تقول: «لم تر في الكتب سوى وسيلة للتعلم تنتهي صلاحيتها بعد أن يحصل المرء على شهادته الأكاديمية»، ولكن على الرغم من ذلك وجدت الشحي تشجيعاً في دخولها إلى عالم الكتابة والقراءة خارج المؤلفات الدراسية؛ أي كتب الأدب والمعارف الأخرى، فوالدتها كانت تقف إلى جانبها وتشجعها، وكانت تجد في كتاباتها شيئاً ما يستحق القراءة، لذلك كانت دائمة التحفيز لها بشأن الاستمرار في الكتابة، وتشير الشحي إلى أن والدتها هي أول من شكل وعيها الثقافي الأول، وأول من دفع بها نحو الكتابة، وعلى الرغم من تلك البيئة التي لا تحتفي بالكتاب الثقافي كثيراً، إلا أن الشحي نجحت في شق طريقها نحو سماء الأدب وكونت تجربة جعلتها ضمن الكاتبات الإماراتيات ذوات الجهد الوافر والمؤثر، وربما كان لمولدها في «رأس الخيمة»، أثر في اتجاهها الأدبي والروائي على وجه التحديد، حيث البحر والرمال والجمال المحرض على الإبداع.

تأثير

تأثرت الشحي بالعديد من المبدعين والكتاب في مجالات السرد المختلفة في الإمارات والعالم العربي، وعلى مستوى العالم، ممن أثروا تجربتها في الكتابة الإبداعية، ولعل من أهم هؤلاء: رضوى عاشور، وعلي أبو الريش، وغادة السمان، وواسيني الأعرج، وليلى العثمان، وغسان كنفاني، وكذلك عدد من الأسماء العالمية الكبيرة في دنيا السرد مثل: جارثيا ماركيز، وتولستوي، وديستوفسكي، وتشارلز ديكنز، وكان كل هؤلاء الأدباء الكبار بمثابة المدرسة التي تعلمت منها الشحي، فهي تقول: «لقد طرح كل واحد منهم داخلي أسئلة تحفزني على البحث عن بعض الأفكار أو دفعتني لتبني عدة أفكار أخرى».

عالم

كانت الشحي شديدة التعلق بالأدب وذلك الجمال الذي يكمن في المؤلفات الإبداعية الروائية والقصصية، حيث بدأت الكتابة منذ أن كانت في ال 18 من عمرها، وكان الدخول إلى الكتابة بمثابة رغبة في تكوين عالم خاص، وهي تقول عن تلك التجربة: «كنت في الثامنة عشرة حين جلست للمرة الأولى وانزويت لأكتب، إذ كتبت حينها الكثير من التفاصيل والأحداث ولم أضع لها عنواناً، كما لم أنشر ما كتبت، وتركت تلك التفاصيل معلقة في ذاكرتي وذكرياتي»، ومثلت لها الكتابة حياة كاملة عاشت فيها بكل شغف وعمق، وربما ذلك ما دفعها للقول: «كنت دائماً ما أنزوي داخل الكتابة وكأنها حضن دافئ، يربت على عقلي المتخم بأسئلته ودهشته، فالكتابة تعتبر الطريقة المثلى بالنسبة لي للتعبير عن مخاوفي وقلقي ودهشتي ورهبة الوقت، وكذلك لحظات الفرح وجميع مشاعري، إذ كنت كالممثل الذي يعبر عن دهشته عبر تعابير وجهه لتصل فكرته، وما زلت أركض نحو القلم والورقة وأكتب لأفرغ ما يدور في خلدي».

تقنيات

تعتمد الشحي في الكتابة على العديد من الأساليب السردية التي تمرر عوالم القصة وترفع في ذات الوقت من قيمة النص، فهي دائماً ما تميل إلى اللغة الشعرية والأسلوب الذي يتعطر بالشاعرية، وتقول عن ذلك: «أجد أن الكتابة الروائية الجافة، أي التي لا تبتل بذرات الشعر هي أقرب للتقارير، نعم للرواية أركان ثابتة ترتكز عليها، لكن الشعرية في الكتابة هي ركن آخر أظنه يجب أن يكون هناك، لا أعني بذلك وجوبية وجوده، لكن إن وجد فهذا ينفع العمل كثيراً، أما الشعر بالنسبة إليّ فهو فن لا أجيد فك رموزه إلا بالتذوق فقط، أما تجربتي فبعيدة عن الشعر، وتنحو بشكل كبير صوب الرواية، أو فن النوفيلا، أو القصة الطويلة»، وكذلك فإن ما يميز أعمال الشحي هي تلك الواقعية في تناول بشكل خاص قضايا المرأة، والحياة في ظل التقنيات الحديثة والمعلوماتية والعالم الافتراضي، وكذلك تعمل على صناعة شخوص يتورط معهم القارئ ويرسخون في ذاكرته.

روايات

قدمت الشحي العديد من الأعمال الروائية التي وجدت قبولاً جيداً من قبل النقاد والقراء، وأثرت بها المشهد الثقافي الإماراتي والعربي، وكانت ضربة البداية مع رواية «أنثى ترفض العيش»، التي صدرت عام 2009، وكانت بمثابة التجربة الأولى التي جعلتها في مواجهة القراء وعالم النشر، وتقول الشحي عن تلك الرواية: «كانت حافزي لأدفع الباب الموارب على النشر، ومواجهة عالم القراء، وبطلة الرواية امتهنت التمريض مثلي وقريبة من عالمي»، وكان النجاح الذي وجدته الرواية بمثابة دافع للكاتبة لإنجاز المزيد، فقدمت روايتها الثانية «فراشة من نور»، في عام 2013، وقدمت من خلالها فكرة مختلفة تدور حول الاغتراب والسفر، أما روايتها الثالثة فجاءت بعنوان «صباحات مريم»، وصدرت عام 2015، ووصفتها الكاتبة بأنها نصوص تشبه اليوميات التي لا تتبع شكلاً أدبياً معيناً، مشيرة إلى أن الرواية هي محاولة منها للتعبير عن دواخلها، فيما حملت روايتها الرابعة عنوان «فنتليتور»، وتدور في فضاء أحد المستشفيات، وهي عمل قريب من عالم المؤلفة التي تعمل في مجال التمريض.

تشكيل

إلى جانب السرد، فإن لمريم الشحي مجالات إبداعية أخرى في عالم الرسم والتشكيل، وتقول عن تلك التجربة: «إن إنجازاتي لا تقف عند السرد الإبداعي فقط، فلوحاتي التشكيلية المعلقة على بعض الجدران في مختلف أنحاء الدولة تدفعني للشعور بالفخر والاعتزاز، حيث إنني رسامة أيضاً».