الطريق الذي بدأ في روما

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

لا شيء يشغل أوروبا في هذه اللحظة، أكثر مما يشغلها فوز تحالف أحزاب اليمين بقيادة حزب «إخوة إيطاليا» الذي تقوده جورجيا ميلوني.

وإذا كانت الحرب الأوكرانية قد شغلت القارة العجوز منذ بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، فعواصم القارة تجد نفسها موزّعة في اهتمامها هذه الأيام، بين حصيلة الانتخابات الإيطالية مرة، وبين الحرب التي دخلت شهرها الثامن تارة أخرى.

والحصيلة التي جرى الإعلان عنها قبل أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة، تظل مقلقة لصانع القرار في الاتحاد الأوربي من عدة جهات، ولكن الشيء المقلق له أكثر من غيره، هو حديث ميلوني الذي لا تخفيه عن يمينيّتها المتشددة، سواء في نظرتها لقضية المهاجرين إلى القارة، أو عن علاقة بلادها بالاتحاد ذاته، أو عن إعجابها الذي لا تخفيه أيضاً بموسوليني.

وليس سراً أن هذه ليست المرة الأولى التي يفوز فيها اليمين ويتقدم في أنحاء القارة، فمن قبل فازت مارين لوبان في فرنسا، بما لم يحدث أن فازت به من مقاعد في البرلمان الفرنسي، وكان ذلك في مايو/أيار من هذه السنة، ثم من بعدها فاز اليمين كذلك، وتقدم في السويد.

وهكذا.. ففوز التحالف الإيطالي في العاصمة روما ليس نشازاً من حيث النوع، ولكنه ربما يكون نشازاً من حيث الدرجة نفسها، أو بمعنى أدق، من حيث حدة اليمينية أو عدم حدتها.

ولا بد أن مختلف القادة الأوروبيين يضعون أياديهم على قلوبهم، ولا بد أن ذلك يحدث سواء في بروكسل حيث مقر قيادة الاتحاد، أو في باقي عواصم أوروبا، والسبب طبعاً هو شكل السياسة التي ستتبعها ميلوني في اليوم الذي ستكون فيه على رأس الحكومة.

وهذه الخشية لدى عواصم القارة، لها ما يبررها بالطبع، ومن بين هذه المبررات أن لهجة جورجيا ميلوني طوال فترة الدعاية الانتخابية كانت لهجة زاعقة سياسياً، فضلاً عن أنها أول سيدة تصبح رئيسة للحكومة في بلادها، أو تكون مرشحة لذلك على الأقل.

ولكن في المقابل، هناك دائماً ما يطمئن إذا ما نظرنا إلى الأمر في سياقه العام، وإذا ما تأملنا التصريح الذي أطلقته زعيمة «إخوة إيطاليا»، بمجرد الإعلان عن المؤشرات القوية لفوز تحالف اليمين بوجه عام، ثم فوز حزبها بالتالي ضمن التحالف. لقد قالت إنها «ستحكم لكل الإيطاليين»، وهذا معناه المباشر أنها تدرك أن هناك فارقاً بين شعارات تطلقها في فترة الدعاية الانتخابية، وبين سياسة عملية لا بديل عن اعتمادها على الأرض، عند التعامل الفعلي مع قضايا الناخبين، ولا فرق عندئذ بين ناخب ينتمي إلى التحالف، وبين ناخب لا ينتمي إليه، فالكل في النهاية سيجمعهم الانتماء لإيطاليا أولاً.

وأما الشيء الخاص بالسياق العام، فهو أن التجارب السياسة في هذا الشأن، تقول إن خطاب ما قبل الفوز في تاريخ أي حزب سياسي شيء، بينما واقع ما بعد تشكيل الحكومة شيء آخر. ولو ذهب أحد يستقصي هذا في المنطقة من حولنا أو في خارجها، فسيكشف له الاستقصاء أن التشدد في الخطاب سرعان ما يعتدل حين يجد نفسه على كرسي الحكم.

إن عبارتها التي تتحدث فيها عن ممارسة الحكم لكل الإيطاليين لا لبعضهم، هي عبارة تقول إن طريق الاعتدال لديها قد بدأ.. وسوف نرى!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvw3f85w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"